التوبة والهُــوِيَّة الإيمانية بين الاعتراف بالخطأ والتمسك بالأصالة
التوبة والهُــوِيَّة الإيمانية بين الاعتراف بالخطأ والتمسك بالأصالة
يمني برس ـ بقلم ـ شاهر أحمد عمير
الإنسان بطبيعته معرّض للخطأ، فقد يسيء إلى نفسه أَو يقع في زلل نتيجة ضعف أَو جهل أَو تأثيرات خارجية، لكن الفرق الجوهري بين من ينجو من هذه الأخطاء ومن يغرق فيها هو الاعتراف والتوبة. فالاعتراف بالخطأ أمام الله شعور مختلف تمامًا، يملأ القلب بالطمأنينة والسكينة؛ لأَنَّ الإنسان حينها يعود إلى فطرته النقية، ويدرك أن باب الرحمة مفتوح، وأن التوبة الصادقة تجبّ ما قبلها من الذنوب.
لكن هذا الشعور لا يأتي بشكل عفوي، بل هو ثمرة ارتباط الإنسان بهُــوِيَّته الإيمانية، ووعيه بأن الأخطاء لا تعني نهاية الطريق، بل هي محطات اختبار يمكن تجاوزها بالإخلاص والتصحيح. ومن هذا المنطلق، نجد أن المجتمعات التي تتمسك بهُــوِيَّتها الإيمانية تمتلك حصانة ذاتية من الانحرافات؛ لأَنَّها تدرك قيمة الموروث الثقافي والديني الذي يشكل أَسَاس أخلاقها وسلوكياتها.
وهنا يتضح الفارق الكبير بين من يحافظ على العادات والتقاليد اليمنية الأصيلة، التي تمتد جذورها في الهُــوِيَّة الإيمانية، وبين من يحاول تشويهها أَو التخلي عنها لصالح ثقافات دخيلة. فالعادات اليمنية لم تكن يومًا مُجَـرّد ممارسات اجتماعية، بل كانت انعكاسا لمبادئ إسلامية عظيمة تعزز قيم الكرم، والوفاء، والشجاعة، والنخوة، وهذه القيم جزء لا يتجزأ من الهُــوِيَّة الإيمانية لليمنيين عبر العصور.
أما من يسعى إلى تشويه هذه العادات أَو الانسلاخ عن الهُــوِيَّة الإيمانية، فهو في الحقيقة يحاول هدم حصن اجتماعي متين، وفتح الأبواب أمام تيارات فكرية غريبة لا تتناسب مع طبيعة المجتمع اليمني. وغالبًا ما يكون هذا التشويه مدفوعًا بأجندات تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي، وإضعاف ارتباط الناس بدينهم وتقاليدهم الأصيلة؛ لأَنَّ مجتمعًا بلا هُــوِيَّة يصبح هشًا أمام محاولات السيطرة والاختراق الثقافي.
إن التوبة والعودة إلى الله، مثلها مثل التمسك بالهُــوِيَّة الإيمانية، تمثلان عودة إلى الفطرة السليمة، وإعادة بناء للذات والمجتمع على أسس قوية. وكما يجد الإنسان في التوبة راحته وسكينته، يجد المجتمع في الحفاظ على هُــوِيَّته ضمانة لاستقراره وثباته. ولذلك، فَــإنَّ مسؤولية صون هذه الهُــوِيَّة لا تقع على فرد واحد، بل هي واجب جماعي يشارك فيه الجميع، من الأسرة، إلى العلماء، إلى الإعلام، وكل من له تأثير في المجتمع. فالمجتمعات التي تحافظ على هُــوِيَّتها لا تهزم، وأما التي تنسلخ عنها، فَــإنَّها تفقد أهم عناصر قوتها، وتصبح مُجَـرّد تابع بلا هُــوِيَّة، تائهًا بين الثقافات المستوردة دون جذور أَو ثوابت.