المنبر الاعلامي الحر

يوم القدس العالمي.. اختبار حقيقي لمواقف الأُمَّــة

يوم القدس العالمي.. اختبار حقيقي لمواقف الأُمَّــة

يمني برس ـ بقلم ـ شاهر أحمد عمير

يوم القدس العالمي يمثل محطة سنوية لتجديد الموقف الإسلامي من قضية فلسطين، وهو ليس مُجَـرّد مناسبة رمزية، بل فعل مقاومة ضد محاولات تغييب القضية المركزية للأُمَّـة. أعلنه الإمَام الخُمَيني – رضوان الله عليه – ليكون يومًا يُذكّر المسلمين بواجبهم تجاه القدس والمسجد الأقصى، ويكسر جدار الصمت المفروض على هذه القضية في ظل الهيمنة الغربية والتواطؤ العربي.

كان الهدف من هذا اليوم إعادة توجيه بوصلة الأُمَّــة الإسلامية نحو عدوها الحقيقي، وكشف مشاريع التعتيم الإعلامي التي تحاول بعض الدول العربية من خلالها حرف أنظار المسلمين عن قضية فلسطين إلى قضايا هامشية تزرع الفرقة والطائفية بينهم. فمنذ احتلال القدس عام 1948، عملت القوى الاستعمارية على ضمان بقاء هذا الاحتلال من خلال تمزيق الأُمَّــة وإضعاف إرادتها، ومنع أي تحَرّك جاد لاستعادتها. كانت الأُمَّــة الإسلامية تتحدث بصوت واحد عن ضرورة تحرير القدس، وكان الجهاد ضد الاحتلال عقيدة لا يختلف عليها المسلمون بمذاهبهم كافة، إلا أن المعادلة تغيرت اليوم، فبَـدَلًا عَن أن تكون “إسرائيل” عدوًا مشتركًا، أصبحنا نشهد تحالفات علنية معها من بعض الأنظمة العربية، التي لم تكتفِ بالتطبيع، بل أصبحت تشارك بشكل غير مباشر في خنق المقاومة والتضييق عليها.

رغم أن الدعوة إلى إحياء يوم القدس العالمي جاءت من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأعلنها الإمَام الخُمَيني – رضوان الله عليه – لحشد المسلمين ضد عدوهم الحقيقي، والعدوّ الأكبر، الكيان الصهيوني الإسرائيلي، المدعوم من الشيطان الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبح الاسم الأنسب لها “الولايات المتحدة الإرهابية”، إلا أن هذه المبادرة جوبهت بحملات تشويه. بَـدَلًا عَن الترحيب بها، بدأت بعض الأطراف باتّهام إيران بأنها تتاجر بالقضية الفلسطينية، رغم أنها الدولة الوحيدة التي قطعت علاقاتها بـ”إسرائيل”، ودعمت المقاومة الفلسطينية دون شروط.

في المقابل، نجد أن الدول التي تُحسب على المسلمين، والتي تمتلك أكبر قدر من الغنى والقوة، تقف إلى صف العدوّ الإسرائيلي، وتصنّف المقاومة الإسلامية، ممثلة بحماس وحزب الله والقوات المسلحة اليمنية والحشد الشعبي، كـ”إرهاب”، وتصفهم بـ”الميليشيات المتمردة”، في محاولة لمنع الالتفات الشعبي العربي والإسلامي إلى دورهم الحقيقي في مواجهة المخطّطات الصهيونية والاستعمارية. وهي الدول التي كان يفترض بها أن تكون في مقدمة المدافعين عن القدس، لكنها أصبحت اليوم متورطة في خِذلان الشعب الفلسطيني، بل وتُدين أي تحَرّك ضد الاحتلال بحجّـة الحفاظ على “الاستقرار”. هذه الأنظمة لم تكتفِ بالتخاذل، بل سارت في مشروع تصفية القضية عبر “صفقة القرن”، وتحولت إلى أدوات في يد العدوّ الإسرائيلي، تُجرّم المقاومة، وتعتبر كُـلّ من يحمل السلاح ضد الاحتلال “إرهابيًا”.

وفي هذا السياق، تعمل هذه الأنظمة على تشويه صورة محور المقاومة ومن يدعمه، مستخدمة أدواتها الإعلامية لنشر الدعاية المضللة التي تصور المجاهدين كأعداء، بينما تتقرب هي من العدوّ الصهيوني وتفتح له الأبواب. إلا أن وعي الشعوب العربية والإسلامية لن يتأثر بهذه الدعايات، ولن تنطلي عليها هذه الأكاذيب، باستثناء قلة ممن يحملون الفكر الوهَّـابي التكفيري السعوديّ، الذي لطالما كان أدَاة في خدمة المشاريع الاستعمارية لضرب قوى المقاومة وتشويه صورتها.

محور المقاومة، الذي يواجه هذا العدوان الصهيوني بكل أشكاله، هو الوحيد الذي حافظ على موقفه الثابت تجاه فلسطين، رغم كُـلّ الضغوط والحصار والتآمر. هؤلاء الذين يُتهمون بأنهم “روافض” و”مجوس”، هم من يدعمون غزة بالسلاح، ويقصفون تل أبيب، ويحاصرون السفن الإسرائيلية، في حين أن الذين يُقدَّمون على أنهم “حماة السنّة”، هم من ينسقون مع العدوّ، ويفتحون له الأبواب، بل ويساهمون في إبادة الفلسطينيين عبر صمتهم وتواطؤهم.

يوم القدس العالمي يفضح هذه الازدواجية، ويفرز المواقف بوضوح. فإما أن يكون الإنسان مع فلسطين والمقاومة، أَو يكون في صف الاحتلال، حتى وإن ادّعى غير ذلك. لا يمكن الجمع بين الوقوف مع القدس والتطبيع مع “إسرائيل”، ولا يمكن الدفاع عن فلسطين بالكلام بينما الأفعال تخدم العدوّ. هذا اليوم هو اختبار للأُمَّـة، وميزان يكشف حقيقة المواقف، بعيدًا عن الشعارات والمزايدات السياسية.

في ظل العدوان المُستمرّ على غزة اليوم، تتجلى أهميّة يوم القدس أكثر من أي وقت مضى. فهو ليس مُجَـرّد مناسبة للتذكير بالقضية، بل محطة لإعادة توجيه البوصلة، ورفع الصوت عاليًا ضد كُـلّ من تآمر وخذل وباع فلسطين. فالقدس ليست قضية فلسطينية فقط، بل قضية الأُمَّــة كلها، ومن يتنصل منها اليوم، سيجد نفسه غدًا مُجَـرّد أدَاة رخيصة في خدمة المشروع الصهيوني، كما هو حال الكثير من الأنظمة العربية اليوم.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com