صواريخ اليمن تربك حسابات واشنطن
يمني برس| تقرير|
لم يعد الفشل الأمريكي الإسرائيلي أمام اليمن مسألة يمكن التغطية عليها وتهميشها ، فتبني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهمة الدفاع عن الملاحة الإسرائيلية وظهوره في غرفة العمليات العسكرية ضد اليمن وإطلاقه لموجهات من التهديد والوعيد جعل العالم يرتقب ما ستسفر عنه المعركة، خاصة وأن ترامب حدد سقف زمني يتراوح بين الأيام والأسابيع، فما الذي جعل ترامب يوسع زمن مهمته إلى “مدة أطول” حسب تصريحه الأخير؟!.
عند النظر إلى الأهداف التي حددها ترامب والمتمثلة في القضاء على أنصار الله بشكل نهائي وإخراجهم من معادلة الصراع في المنطقة ومقارنتها بمستجدات المعركة سواء مع القطع البحرية الأمريكية في البحر الأحمر أو استهداف العمق الصهيوني ندرك أن اليمن قلب الطاولة على ترامب، فلا هو حمى السفن الأمريكية ولا تمكن من اعتراض الصواريخ اليمنية المتجهة إلى الكيان، بل على العكس من ذلك فقد أصبحت القطع الحربية الأمريكية المنتشرة في البحر الأحمر هدفاً يوميا للأسلحة اليمنية، فيما بات هروب ملايين الصهاينة إلى الملاجئ روتينا يومياً يؤزم المشهد على الدولة التي ادعت يوماً أنها سيدة البحار.
بات الفشل الأمريكي محط أنظار الصحافة الغربية والعبرية، والتي تؤكد مرارا أن الغارات الأمريكية على اليمن لم تنجح في إيقاف الصواريخ اليمنية، بل زادت من وتيرتها. إلى جانب ذلك، احتلت التكلفة الاقتصادية الناتجة عن العمليات العسكرية مساحة بارزة ضمن تلك التحليلات، حيث تكشف التأثيرات السلبية الواسعة لهذه السياسات، بما في ذلك تدهور سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف النقل. أن هذا الوضع يوفر للعديد من المحللين دليلاً على تراجع القوة الأمريكية في الساحة الدولية، ويطرح تساؤلات غامضة حول مستقبل مكانة أمريكا. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية، يشعر الكثيرون بأن الولايات المتحدة تواجه تحديات جديدة تهدد قدرتها على الحفاظ على نفوذها.
كما سلطت هذه الوسائل الضوء على تآكل في صورة أمريكا كقوة عالمية، لاسيما وأن الهجمات لم تحقق الأهداف المعلنة فحسب، بل أثبتت أيضًا محدودية القدرات العسكرية الأمريكية، مما يضعف الثقة في فعالية استراتيجياتها الدفاعية، خاصة في نظر حلفائها وإزاء خصومها.
“من أجل سلامة الجميع، لا تسافروا إلى إسرائيل”
التهديدات اليمنية ضد مطار “بن غوريون” تؤتي ثمارها.. منصة “Aero Haber” المتخصصة في أخبار الطيران، تؤكد أن هيئات الطيران الدولية تراقب الوضع الأمني في “إسرائيل” عن كثب، وقد تتخذ قرارات بتعليق أو تعديل مسارات الرحلات الجوية، على خلفية التهديدات الصادرة عن قوات “أنصار الله” بشأن استهداف مطار “بن غوريون”.
ووفقًا للمنصة، فإن شركات الطيران الكبرى، مثل “لوفتهانزا”، والخطوط الجوية التركية، والخطوط الجوية الفرنسية، والخطوط الجوية البريطانية، و”إيزي جيت”، تلقت تحذيرات مباشرة من صنعاء، تنصحها بعدم تسيير الرحلات إلى “إسرائيل”.
المنصة أضافت إن البيان الصادر عن صنعاء كان واضحًا: “من أجل سلامة الجميع، لا تسافروا إلى إسرائيل.”
وبحسب المنصة فإن القرار اليمني حمل دلالات خطيرة، إذ أكد أن مطار “بن غوريون” لن يكون آمنًا إلا بعد وقف العدوان على غزة، ما يضع “إسرائيل” أمام معادلة جديدة، حيث لم تعد المواجهة مقتصرة على البحر الأحمر، بل انتقلت إلى المجال الجوي. وقد تدفع هذه التحذيرات، هيئات الطيران لاتخاذ تدابير احترازية، مثل تغيير مسارات الطائرات أو فرض قيود جديدة على الطيران المدني في أجواء فلسطين المحتلة.
منصة “Aero Haber” المتخصصة في أخبار الطيران، هي الأخرى، أكدت الأنباء ذاتها، مشيرة إلى أن من “المتوقع أن يثير تراجع الأوضاع الأمنية قلقاً متزايداً في إسرائيل”. وأكدت المنصة أن شركات الطيران والهيئات الدولية تواجه خيارات معقدة، قد تدفعها إلى اتخاذ قراراً بتعليق الرحلات الجوية من وإلى مطار “بن غوريون”.
التحديات الاقتصادية والأمنية في البحر الأحمر
يعتبر البحر الأحمر أحد أكثر الممرات التجارية حساسية. يمر عبره حوالي 14% من التجارة البحرية العالمية، أي ما يعادل 700 مليار دولار سنوياً. ويعتبر مضيق باب المندب طريقاً رئيسياً لنقل النفط والغاز من الشرق إلى الغرب، حيث يعبره نحو 6.2 مليون برميل من النفط يومياً. تُحصل أوروبا على حوالي 60% من احتياجاتها من الطاقة من خلال هذا الممر. من جانبها، تحصل الولايات المتحدة على 10% من نفطها عبر المضيق.
على صعيد آخر، أفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن شركات الشحن العالمية الكبرى لا تزال تفضل الإبحار حول أفريقيا بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر، رغم الغارات الجوية الأمريكية الأخيرة على اليمن. وأشارت الصحيفة إلى أن “شركات الشحن تتعامل بحذر مع الوضع الأمني، إذ تعتبر أن المرور عبر هذه المنطقة لا يزال محفوفاً بالمخاطر، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام يشمل جميع الأطراف المعنية”، وفق تعبيرها.
وأكدت الصحيفة أيضاً أن “شركات الشحن الكبرى استفادت من ارتفاع أسعار الشحن نتيجة الالتفاف حول أفريقيا، مما زاد من أرباحها”. فقد توقعت شركة ميرسك أن يكون فتح البحر الأحمر في نهاية العام أكثر ربحية مقارنة بفتحه في منتصف العام، وعلى الرغم من انخفاض أسعار الشحن مؤخراً، لا تزال الشركات غير متعجلة للعودة إلى المسار القديم، حيث تتجنب أي اضطرابات قد تفرض عليها إعادة تعديل مساراتها بشكل مفاجئ ومكلف.
نقلت الصحيفة عن جاك كينيدي، رئيس إدارة مخاطر الدول في ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس، قوله: “الحل العسكري وحده غير كافٍ لوقف عمليات اليمنيين”. وأكد خبراء في الشرق الأوسط أن الحوثيين “أظهروا قدرتهم على مقاومة قوات أكبر بكثير والتصرف بشكل مستقل عن إيران”.
وتشير بيانات قطاع الشحن إلى أن عدد السفن التي عبرت مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ارتفع إلى 200 سفينة في فبراير الماضي، مقارنة بـ 144 سفينة في الفترة ذاتها من العام السابق. ومع ذلك، لا يزال هذا العدد أقل بكثير من 500 سفينة كانت تعبر الممر قبل بدء التوترات في البحر الأحمر.
اضطراب سلاسل التوريد
في سياق متصل، يحذر عدد من المحللين والخبراء من أن استمرار اعتقاد البيت الأبيض بأهمية ما يقوم به من الانتهاكات للقوانين والأعراف الدولية بعدوانه على اليمن، قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الجيوسياسي على المدى الطويل، وربما يزيد من تصعيد التوترات الإقليمية، ما قد يجر المنطقة إلى صراع طويل الأمد، وفقاً لما نشرته مجلة “EV Magazine” البريطانية.
وركزت المجلة في تقرير لها على أن التصعيد العسكري الأمريكي في البحر الأحمر يتسبب في تفاقم تداعيات اقتصادية لاسيما وأن هذا التدخل قد أدى إلى إحداث اضطرابات واسعة في سلاسل التوريد العالمية. الأمر الذي جعل شركات السيارات الكهربائية الأوروبية تواجه تحديات متزايدة، أجبرت شركات كبرى مثل تسلا وفولفو وميشلان وستيلانتيس على تعليق الإنتاج أو تقليصه بسبب نقص المكونات الناتج عن تغيير مسار الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح، والذي أدى إلى تأخير الشحنات وارتفاع تكاليف النقل، بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في أسعار السيارات الكهربائية في الأسواق الأوروبية.
وأوضحت المجلة في تقريرها أن عمليات شركة ميشلان الإسبانية لتصنيع الإطارات تأثرت بشدة بسبب انقطاع إمدادات المطاط، في حين لجأت شركة ستيلانتيس، التي تضم علامات تجارية مثل فيات وبيجو، إلى الشحن الجوي في محاولة لتجاوز التأخير البحري والحفاظ على سير الإنتاج.
وسلّط التقرير الضوء على الاعتماد الكبير لصناعة السيارات الكهربائية الأوروبية على الموردين الصينيين، مشيراً إلى أن الأزمة قد كشفت هشاشة سلاسل التوريد. فقد أوضح أن الصين تهيمن على إنتاج البطاريات والمحركات وأنظمة السيارات الكهربائية، مما يجعل الشركات الأوروبية أكثر عرضة للاختلالات التجارية. وأضاف أن الشركات الصينية مثل BYD و Nio وMG (SAIC) من المتوقع أن تزيد حصتها في السوق الأوروبية إلى 15% بحلول عام 2025، مما يثير مخاوف بشأن الاعتماد المتزايد لصناعة السيارات الأوروبية على الإنتاج الصيني.
وفي الإطار ذاته، حذّرت المجلة من أن أزمة البحر الأحمر قد كشفت ضعف سلاسل التوريد العالمية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على طرق التجارة بين آسيا وأوروبا. ونقلت عن خوسيه أسومندي، رئيس فريق السيارات الأوروبية في J.P. Morgan، قوله إن “الأزمة تختبر مرونة سلسلة توريد السيارات، خاصةً مع استمرار التوترات في البحر الأحمر”. وأشارت إلى أن الطريق الأطول أسفر عن زيادة قدرها 2700 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل سفينة، مما يؤثر سلباً على أهداف الاستدامة البيئية.
تأكيدات بفشل العدوان الأمريكي
بشكل واضح، الغارات الأمريكية لم تُسفر عن النتائج المرجوة في كسر القوات المسلحة اليمنية، سواء من حيث الهجوم الصاروخي إلى العمق الإسرائيلي أو المواجهة المباشرة مع حاملات الطائرات الأمريكية وبوارجها في البحر الأحمر. وهو دليل واضح على أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تواجه تحديات معقدة، وأن تكتيكات وتقنيات القوات المسلحة اليمنية أثبتت قدرتها على إثبات فشل ما تسميه أمريكا بـ “استراتيجية إعادة تقييم الأساليب المُتبعة للتصدي للمخاطر”.
الأمر الذي دفع بصحيفة “جيروزاليم بوست” إلى التعليق بالقول “مرت مدة على الغارات الجوية الأمريكية، واليمنيون لم يتراجعوا، كما أعلن ترامب أن أياما أو أسابيع كفيلة بإنهاء من أسماهم بالحوثيين”، مؤكدة أن اليمنيين عادةً ما يدركون أن إطلاق صاروخ واحد فقط، كافياً لإطلاق صفارات الإنذار الإسرائيلية في أنحاء واسعة من الأراضي المحتلة، وتحقيق تأثير من الذعر بين ملايين المستوطنين الذين يُهرعون إلى الملاجئ يُعادل إطلاق عشرة صواريخ.
كما نشرت الصحيفة تقريراً في يوم الأحد الماضي، أكدت فيه أن الغارات الجوية الأمريكية على اليمن لم تُعدل مسار قوة اليمنيين، الذين لا يزالون يطلقون الصواريخ على إسرائيل”.
وفيما تحاول الإدارة الأمريكية تبرير فشلها تحقيق أهداف حملتها من خلال الإشارة إلى أنها ستُحمّل إيران مسؤولية الهجمات اليمنية، كشفت الصحيفة، في تقريرها، أن تعقب منصات إطلاق الصواريخ الباليستية اليمنية يُعتبر تحدياً شاقاً يُشبه ما واجهته الولايات المتحدة خلال حرب الخليج عام 1991 عندما سعت لتحييد صواريخ سكود التي كان يمتلكها صدام حسين. ورغم تقدم التكنولوجيا الأمريكية بما تمتلك من أقمار صناعية للرقابة، يمتلك اليمنيون وسائل فعالة لإخفاء مواقع صواريخهم، مما يجعل من الصعب على تكنولوجيا القوى العسكرية الكبرى تحديد أماكنها بدقة.
تصفير الملاحة الإسرائيلية
تتسارع الأحداث مع مرور الأيام، وتثبت القوات المسلحة اليمنية أن تأثيراتها على القضية الفلسطينية ستظل بحضور قوي، مما يجعل الأفق معقدًا أمام محاولات الولايات المتحدة وربيبتها “إسرائيل”. هذه التعقيدات تزداد في حال فكر الطرفان في اتخاذ خطوات تتجاوز الخيارات التي تطرحها صنعاء لوقف المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وفتح المعابر أمام المساعدات، والانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة.
علاوة على ذلك، يشير التنامي الملحوظ في مستوى الثبات والصمود والفعل العسكري اليمني إلى أن أي محاولة لثني الإرادة اليمنية مصيرها الفشل. إذ يرسل لسان حال اليمن رسالة واضحة من صنعاء إلى عاصمة الاستكبار الإمبريالي، واشنطن، وإلى “تل أبيب”، مفادها: “لن تمروا!”.
هذه الرسالة تنطلق من صلابة التصميم وقوة الإرادة اليمنية في الدفاع عن قضاياها العادلة، وتعكس التزام اليمن الثابت بالقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. إن ما يبرزه الفعل العسكري اليمني ليس فقط قدرة على مواجهة الضغوط، بل تأكيدٌ على العزم الراسخ في التصدي لأي محاولات للضغط أو التلاعب بالقضايا التي تمس مستقبل الأمة.