الوطن.. والذاكرة الجريحة..!!
أحمد الفقيه
الكتابة لحظة ولادة ومكاشفة عسيرة، بين إنصات “الأنا” الغائصة في زخم الماضي المترع بالذاكرة المؤلمة، وومضات الزمن الجميل، الذي رحل دون وداع، وليته يعود..
هكذا تدور عجلة الحياة، وفي زمن الصراعات والحروب تختلط الأوراق، وترتع الذئاب، ويكثر الهرج والمرج، ويتم تشويه أحداث ووقائع التاريخ، وتعاد صياغة المستجدات حسب رؤى نافذة متقوقعة على ذاتها، ترى الظلام نوراً، والنور ظلاماً.. ويظل الجزء المقموع أو المكبول من الذاكرة شارداً وراء الزمن المنفرط، وانكسارات الصيرورة المتصارعة مع الأنا.
فالرحلة مع الذات “الأنا” عسيرة، وشاقة، فالزمن الماضوي أكثر شقاءً وألماً، ومعاناةً مع سويعات الاغتراب، والبعد عن الوطن، فالصراع مع الحياة هي لحظة ولادة الإنسان، هي لحظة المكابرة مع الزمن، رغم الألم والمعاناة.. فالمهاجر دوماً ينظر الى عالمه الماضوي، نظرة شوقٍ وحنينٍ من فضاء بعيد، وزمنٍ أبعد، وإحساسٍ مرهف، يؤججه التوق والشوق الى الماضي.. شوق وحنين لا يخلو من بعض عذابات وذكريات مؤلمة، ولكن تظل رائحة ودفء الزمن الطفولي نافذة، وفواحة..
إن المنافي سفر من سجل حافل بالصراعات والسويعات التي كانت مملوءة ببراءة الطفولة، ونقاء السريرة، وفجأة وجدت نفسها أمام رياح عاتية، متربصة بها من كل حدبٍ وصوب.. فالمهاجر دوماً يحاول إثبات ذاته، رغم المعاناة النفسية، وعاديات الاغتراب، وفي خضم هذا البحر اللجي المتلاطم الأمواج يظل المهاجر يتحدى الصعاب والتحديات، لأنه يُدرك أن هناك أقداراً جميلةً ترعاه وتقوده الى مفاجآت لم تخطر على بال..
رغم كل هذا وذاك يظل المهاجر يحمل ذاكرته الطفولية البريئة التي يتلمس بها أبجديات الحياة في زمن التناقضات والصراعات، باحثاً عن هوية الأرض والجغرافية دون أن يعي شيئاً، وهكذا تكون خطوات المهاجر واثبةً نحو أبعد المسافات، وصولاً الى تحقيق الطموح والأحلام التي كانت تراوده أيام الزمن الجميل..
• ومضات خاطفة:
لكل أمةٍ من الأمم علماؤها ومثقفوها، ولكن الويل كل الويل لأمةٍ ضل مثقفوها، وعلا شأن جهلائها ودهمائها، وربما هذه هي الحالة التي عاشها الكثير من علمائنا ومثقفينا في غياب الرؤية الواضحة، حتى لا يشاهدوا ما وصل إليه العالم المتحضر من تردٍ وفقدان موازين القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية في زمن التفسخ والانحلال، هكذا تذرف الدموع والتحسر، وهي تودع سويعات الزمن المسكون في حنايا الذكريات.. ولحظات الرحيل والفراق والنأي عن الوطن الأم..
• كلمات مضيئة:
عيناك يا غزة..!!
تبرقان كبرياءً وإباء
تومضان نوراً ونار..
لقلبٍ جريح أثخنته الجراح..
عيناك يا غزة..!!
زهرتان داميتان..
في حقولٍ ظمأى
تناءت وراء الظلام
***
آهـٍ.. يا غزة..!!
كم أنت مسكونة الفؤاد..
بين أنين الرضع..
وأنّات الركع..
كم أنت شامخة..!!
رغم فؤادك الصديع..
سماؤك حبلى..
وأرضك ثكلى..
***
لن تركع غزة..!!
شموسها تسطع عبر أسواري..
صوت سمائها يقرع أبوابي..
غزة لن تنام..
وعصافيرها تئن بين الركام..
مهلاً.. غزة الصمود الشموخ..
سيعود فجرك الزاهي..
إلى الأعالي نطير معاً صوب الذرى..
نزرع فجرنا.. أرضنا ورداً وشذى.