أوتار الحروب
حنان عوضه
الماسونية العالمية، تلك المنظومة التي تأسست بعناية شيطانية فائقة، وضعت لنفسها هدفًا أعظم من أن يكون محصورًا في حدود الجغرافيا، بل امتد ليشمل كل بقاع الأرض. لقد ألّفت سمفونية عالمية كبرى، تعزف أنغامها في أرجاء العالم، لا تستثني دولة ولا دينًا، بل تسللت إلى عمق المجتمعات الإسلامية والمسيحية، وحتى النصرانية الغربية.
هذه السمفونية لم تُعزف عبثًا، بل صُممت أوتارها خصيصًا لكل أمة، وخصّصت لكل بلد نغمة، ولكل شعب لحنًا يتناغم مع موروثاته ومعتقداته وثقافته، حتى لا يلفظه أو يرفضه، بل يتفاعل معه دون وعي، وكأنه نابع من داخله.
فخططت الماسونية، ودرست، وأعدّت ما يشبه دراسة موسيقية نفسية شاملة، تتماشى مع أذواق الشعوب ومقدراتهم واحتياجاتهم، وفق مخطط شيطاني أراد به إبليس أن يبر بقسمه أمام ربه: أن يغوي بني آدم، ويسلب عقولهم وأرواحهم، ويقودهم إلى الهلاك.
الوتر الأول: اللهو والضلال
عُزفت أوتار هذه السمفونية أولاً على نغمة اللهو، والحسد، والمشاحنات. فانشغل الناس باللهو وابتعدوا عن الكتب السماوية التي أنزلها الله لهدايتهم منذ بدء الخليقة. نُسيت الصحف، وهُجرت الكتب، وسادت العهود التي قطعها الشيطان مع ربه، يقابلها وعد الله بنصر عباده الصالحين، ممن يجاهدون الشيطان ولا يستجيبون لندائه.
قُرعت الطبول، وانطلقت المعازف، وبدأت أطماع البشر تتسلل إلى قلوبهم، فصار الأخ يعادي أخاه، والأمة تقتل الأمة، والدولة تستبيح خيرات الأخرى. وبينما تعزف تلك السمفونية الغاشمة أنغامها في العالم، كان الشيطان جالسًا في قمة الهرم، مستمتعًا بعزف فرقته، راضيًا عن أداء أدواته البشرية في نشر الفوضى.
الوتر الثاني: مصطلحات التفرقة
في المقطع الثاني من سمفونية الماسونية، عُزف وتر جديد: وتر المصطلحات. بدأت الماسونية تزرع مفردات لتقسيم البشرية إلى طبقات متناحرة، تُشعل نار الحسد والبغضاء، وتغرس مشاعر الغبن والحرمان.
من هذه المصطلحات:
الأرستقراطية: طبقة النبلاء.
البرجوازية: الطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج.
البروليتاريا: طبقة العمال الكادحين.
بهذه الكلمات أُعيد تصنيف البشر، لا على أساس القيم أو الأخلاق أو العمل، بل على أساس طبقي مفروض لا يملكون حياله حولًا ولا قوة. نجحت هذه النغمة نجاحًا باهرًا، لكنها اصطدمت بحاجز صلب، هو وعد الله: “إلا عبادك منهم المخلصين”. أولئك الناجون من التأثر بهذه الأوتار، الذين لم تنطلِ عليهم الخديعة، ولم يسحرهم اللحن المضلل.
الوتر الثالث: الحروب النفسية والناعمة
ومع تصاعد المواجهة بين الحق والباطل، بين العدالة والظلم، جاء مقطع جديد من السمفونية: الحرب النفسية. تم العزف على وتر الترغيب والترهيب، باستخدام أدوات إعلامية ومدغدغات عاطفية، توهم الناس أن الباطل هو الحق، وأن الظلم هو النظام، وأن العدل تخلف، ومن يقف مع الحق سينتهي ويُمحى.
الوتر الرابع: الحرب الصلبة والابتزاز العالمي
أشار الشيطان الأكبر إلى مايسترو السمفونية، فبدأت أوركسترا الحروب الصاخبة. دُقّت طبول الحرب الغوغائية، عُزفت أنغام العنف والدمار، وتوسعت التهديدات بالضربات العسكرية والاقتصادية ضد كل من يجرؤ على معارضة الأوامر “الترامبية” أو السياسات الصهيونية.
فإما الطاعة وإما الدمار: هكذا كانت نغمة الابتزاز، سواء عبر الضرائب الجمركية التي فُرضت على دول كبرى مثل الصين، أو عبر التدخلات العسكرية في الدول المستضعفة في منطقتنا العربية والإسلامية.
اللحن الأخير… ومواجهة الأنوار
ظلّت ألحان هذه السمفونية تُعزف على مسامع العالم، والطبول تُقرع، والجميع مأخوذ بلحنه الخاص… لكن، ماذا حدث حين وصلت هذه الألحان إلى شعب الإيمان والحكمة؟ إلى من ثبتهم الله بالعقيدة، وأضاء لهم السبيل بقيادة أنوار الهدى: السيد حسين بدر الدين الحوثي – سلام الله عليه – ومن بعده أخوه السراج المنير، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله ونصر به الدين؟
كيف كان وقع تلك الأوتار على مسامعهم؟ هل تسرّبت إلى عقولهم؟ هل هزّت يقينهم؟ أم أن تلك الألحان المضللة ارتدت خائبة، وتكسرت على صخرة الوعي والبصيرة والإيمان؟
إلا عبادي منهم المخلصين…
المخلصون الذين تعلقوا بحبال الله، وساروا على نهج أنبيائه وكتبه، لم تهزمهم السمفونية، بل زادتهم صلابة. تحركت فيهم الهمم، وشُحذت العزائم، وأعدّوا العدّة للحرب، ولبوا نداء فلسطين، فقطعوا أوتار البحار التي أراد الأعداء أن ينفذوا منها، وردّوها عليهم خائبة.
صواريخ الإيمان… وأوتار الحسم
استجاب شعب اليمن، شعب العزة والعقيدة، فأرسلوا صواريخهم ومسيراتهم، كأنها طير أبابيل، ترمي أهداف العدو الصهيوني بحجارة من سجيل يماني. شلّت تلك الضربات منظومة العزف الشيطانية، وأربكت مايسترو الماسونية، وأسكتت الأبواق التي ظنت أنها ستبقى تعزف وحدها إلى الأبد.
الخاتمة: من الله البداية وإليه المنتهى
هكذا كانت الغلبة لله، ولرسوله، وللمؤمنين. فكل وتر شيطاني عُزف، قوبل بوتر من نور. وكل لحن ماسوني حاقد، كُسر بصوت الإيمان. وكل طبل حرب دوّى، قوبل بصوت الحق واليقين.
فمهما حاولوا أن يعزفوا نشيد الخراب، سيبقى في الأمة رجال لا تنال منهم الأوتار، ولا تُخدرهم المعازف، يقفون بثبات ويقولون: نحن عباد الله… ولسنا منكم في شيء.