التعليم في غزة .. استهداف إسرائيلي ممنهج ضمن الإبادة الجماعية
التعليم في غزة .. استهداف إسرائيلي ممنهج ضمن الإبادة الجماعية
غزة ـ يمني برس
يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جريمة ممنهجة ضد قطاع التعليم في غزة، ضمن حرب شاملة لا تستثني حجرًا ولا بشرًا.
ما يجري في القطاع لا يُعد فقط عدوانًا عسكريًا، بل هو اجتثاث متعمد لكل مقومات الحياة، وفي مقدمتها التعليم، الذي يُفترض أن يكون الحصن الأخير لأي مجتمع في وجه التدمير.
غير أن هذا الحصن تهدم، وسُوّي بالأرض، وترك أكثر من 720 ألف طالب وطالبة في مهب النسيان، محرومين من مقاعدهم، وأقلامهم، وأحلامهم.
إحصاءات صادمة
وتشير المعلومات الميدانية وآخر الإحصائيات الرسمية إلى أن (95.2%)، من المدارس في قطاع غزة تعرضت لأضرار بدرجات متفاوتة، وأن (88.5%)، من المباني المدرسية تحتاج إلى إعادة بناء كاملة أو ترميم رئيسي، وبلغ عدد المدارس الحكومية التي تعرضت إلى أضرار بالغة (241) مدرسة، و(111) مدرسة حكومية دمرت بشكل كامل، في حين تعرضت (91) مدرسة حكومية، و(89) مدرسة وكالة للقصف المباشر والتخريب، وفق تقرير لمركز الميزان لحقوق الإنسان.
وبالإضافة إلى عمليات القصف التي طالت المدارس والمؤسسات التعليمية الحكومية والتابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والأهلية والخاصة في مختلف أماكن قطاع غزة، يشير مركز الميزان إلى وجود ترابط وصلة واضحة بين عمليات الإخلاء القسري للمواطنين وتدمير المدارس.
فقد بدأت أوامر الإخلاء الأولى لسكان شمال قطاع غزة، بالنزوح الكامل إلى جنوب القطاع، وعمدت قوات الاحتلال على تدمير المدراس التي أخلت السكان منها في شمال المحافظة، وبلغت نسبة التدمير (100%) في تلك المناطق، وفي المناطق التي أخليت في محافظة غزة، بلغت نسبة التدمير (92.8%)، وتشير التقديرات إلى أن نسبة المدارس المدمرة في محافظة رفح جنوب قطاع غزة بعد أوامر الإخلاء الكاملة للمدينة الأخيرة بلغت (91%) من مجموع المدارس، كما جرى استخدام العديد من المدارس لأغراض عسكرية، كقواعد للجيش، ومواقع احتجاز.
الاحتلال لم يكتفِ بالتدمير، بل حوّل عددًا من المدارس إلى ثكنات عسكرية ومراكز احتجاز وتعذيب، مُلغياً تمامًا هويتها التعليمية.
لكن الكارثة لا تتوقف عند البنية التحتية، فالأرقام تنزف: 13,419 طالبًا وطالبة استشهدوا، و21,653 أصيبوا، إلى جانب 651 شهيدًا من الكوادر التعليمية، و2,791 مصابًا، وفق وزارة التربية والتعليم.
أما المعتقلون، فلا توجد إحصائيات دقيقة، لكن التقديرات تشير إلى مئات من الطلبة والمعلمين، ما زال مصيرهم مجهولًا.
عام جديد ضائع
ومع دخول العدوان شهره التاسع عشر، تتلاشى الآمال بإمكانية إنقاذ العام الدراسي، بعد أن فشلت محاولات استئناف التعليم، بما في ذلك عبر منصات إلكترونية، الاحتلال جدد عدوانه في 18 مارس 2025، لتنهار محاولات وزارة التعليم في إطلاق امتحانات الثانوية العامة إلكترونيًا، ما دفع لتأجيلها للمرة الثانية.
في خضم هذا الواقع، تختصر الطالبة مرح شبانة المشهد بقولها: “الخوف رفيقنا اليومي. فقدنا الشغف والطموح، وأصبح من الصعب الاستمرار”. كلماتها ليست مجرد تعبير عن يأس فردي، بل هي صدى جماعي لجيل تم سحق أحلامه تحت الركام.
العملية التعليمية في غزة مشلولة كليًا، وسط انعدام الأمن، ونقص الكهرباء والإنترنت، وتحويل أكثر من 62% من المدارس إلى مراكز إيواء.
يعيش الطلبة والمعلمون في ظروف قاهرة، يتقاسمون الألم والفقد والحرمان، في هذه البيئة، من المستحيل الحديث عن تعليم طبيعي، أو حتى بديل فعال.
ورغم كل ذلك، لا تزال بعض المبادرات تحاول النجاة. في مخيم النصيرات، أطلقت بسّان السردي مبادرة تعليمية في خيمة بسيطة تستوعب 150 طالبًا على ثلاث فترات، بالاعتماد على متطوعين، لكنها تقول: “نعاني من نقص الدعم النفسي، وانعدام الأمن، وأحيانًا يتوقف التعليم بسبب القصف وأوامر الإخلاء”.
أما الطالبة شام عمار، فتكشف جانبًا آخر من المأساة: “أدرس على ضوء الشمس أو كشاف الهاتف. أضطر للمشي مسافات طويلة لتحميل الدروس، وأعاني من سوء التغذية والضغط النفسي”. في ظل هذا الواقع، لا يمكن للتعليم الإلكتروني أو المبادرات المحدودة أن تسد الفجوة الهائلة التي خلّفها العدوان.
مركز الميزان لحقوق الإنسان أدان الاستهداف المنهجي لقطاع التعليم، وعدّه جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، داعيًا إلى تحرك دولي عاجل لإنهاء العدوان، ورفع الحصار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد الطلبة والمعلمين.
ما يجري في غزة ليس فقط كارثة إنسانية، بل انهيار حضاري تُرتكب فيه جريمة كبرى بحق الأمل والمستقبل، فالاحتلال لم يكتفِ بقتل الحاضر، بل يتعمد سحق الغد، ومحو كل ما يربط هذا الشعب بحقه في الحياة، والتعليم، والكرامة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام