بعد عام من العدوان.. هُزم بنو سعود
يمني برس/ متابعات
كيف يمكن النظر إلى ما حصل في اليمن خلال عام من العدوان العالمي على هذا البلد؟
في البداية لا بد من إعادة التأكيد على أن العدوان على اليمن هو عدوان عالمي، وهو عدوان عربي ـ إقليمي، فضلاً عن كونه عدوان اللاشرعية على المواطنين الذين قرروا التخلص من ظلم ذوي القربى والأبعدين في آن.
وعالمية العدوان تحمل عدة صفات:
هي تواطؤ، حيث سكت العالم كله على ما حصل في اليمن، إما رهبة وإما رغبة، أو ـ في أدنى الحدود ـ جهلاً، فتركت قوى العالم الكبرى والصغرى وحش الموت الجاهلي ليفتك بأطفال أبرياء، وليقتل الشيوخ والنساء، وليدمر الحرث والنسل بلا خوف ولا حياء.
وهي تشاركية، حيث انخرطت قوى كبرى في العدوان في السر وضمنًا، وإن كانت قد نأت بنفسها عنه علانية، وكان انخراطها تسليحاً وتدريباً وتزويداً بالخبرات والمعلومات وكل ما يحتاجه العدوان للقيام بما يرغب به من مهمات، واضعة كل ذلك تحت شعار نصر الشرعية ـ اللا شرعية.
وهي تحريضية أيضاً، حيث لم تكتفِ بعض القوى العالمية في تسهيل أمور تحالف العدوان في مختلف المجالات، وإنما قامت بتزيين هذا العدوان للمعتدين، وجرّهم إليه دون تحذير ولا تنبيه من المخاطر والآثار، فانساق هؤلاء بغبائهم إلى مستنقع باتوا لا يعرفون كيف يخرجون منه.
ولعلّ “آبريل غلاسبي” قد بُعثت من جديد، ليجر شبحها الرؤوس الحامية في الرياض إلى هذا النفق المجهول، كما فعلت هي مع صدام حسين عندما أوهمته بأن بلادها لا تمانع في غزو نظامه للكويت، ليجد صدام نفسه في النفق المجهول نفسه.
هذه بعض ملامح عالمية العدوان، أم إقليميته فحدّث ولا حرج.
الكل اشترك، الكل طمع، الكل خاف، الكل رأى فيما سيحصل مجرد مشاركة في خطوة واحدة، خطوة صغيرة: نرمي أخانا في غياهب الجب، فنرتاح من ضغط الأخ الطاغية فينا، ونرتاح كذلك من جمال وجلال ومجد أخينا.
ظن هؤلاء أن اليمن لقمة سائغة، تؤكل في لحظة، ويُنسى ما حصل، ونعود إلى ما نحن فيه بلا ضغوط وبلا قلق ووجع رأس، فتهافتوا لخدمة المعتدي، ولتنفيذ مآربه، ولتحقيق مطامعه في البلد الشقيق.
الكل.. تقريباً، لأن هناك من بقي على موقف الرفض للإطاحة بالشقيق، وهناك من وقف موقفاً مشرّفاً يرفض هذه الجريمة المروّعة التي لا تنمّ إلا عن فقدان كل إحساس بالإنسانية، وعن تبدّد لكل المشاعر الأخوية، وعن ضياع عن كل آليات التفكير المنطقية والعقلانية.
وأما بالنسبة لمحلية العدوان، فيمكن تلخيص صورتها بالحديث عن الطمع، وعن الرغبة بالسيطرة والاستئثار، وبالاستقواء بالخارج على الأخ الشقيق، وعلى ابن البلد.. ولا زيادة.
والآن، مرّ عام، فماذا حقق المتآمرون؟
لم يكن اليمن لقمة سائغة، ولم يستسلم شعب اليمن، ولم تنكسر شوكة مقاتلي الجبال، والرجال الأبطال، فوقعت الواقعة، وانهار مشروع العدوان.
لم يكتفِ المقاتل اليمني ـ الذي لا يملك إلا إيمانه وسلاحه الفردي، وبعض السلاح الثقيل ـ في التهام آلة العدوان وتحطيم جبروتها وإفشال أهدافها، وإنما خلق معادلات جديدة، ما عاد بإمكان أحد تجاهلها والقفز عنها:
ـ لقد اندثرت فكرة فرض إرادة المحتلين على الشعب اليمني. واليوم، بعد سنة كاملة من زرع الموت والدمار، بات المعتدون يفتشون عن مخرج سياسي حقيقي ينقذهم من الورطة التي وقعوا فيها، وصاروا مستعدين لتقديم “التنازلات” دون أي تحفظ.
ـ صارت الأرض التي انسحب منها الجيش اليمني الشرعي واللجان الشعبية في جنوب اليمن وشرقه رمالاً متحركة يغوص فيها المعتدون ولا يستطيعون الخلاص مما تختزنه من مشاكل وعقبات، بعد أن تمدد فيها الإرهابيون التكفيريون، وصاروا يسببون المتاعب لأسيادهم الذين دخلوا تحت جناحهم.
ـ دفع المعتدون ثمناً غالياً من أرواح جنودهم ومن معداتهم، بحيث أثارت هذه الخسائر الكثير من الأسئلة داخل مجتمعات هذه الدول عن السبب الذي يدفع الأنظمة إلى إرسال الجنود ليموتوا في أرض بعيدة، بصواريخ التوشكا وبالمواجهات المباشرة مع أبناء هذه الأرض.
ـ بات قادة العدوان في حالة حرج كبيرة إزاء عجزهم عن حسم معركة مع شعب أعزل، بالكاد يملك من السلاح الثقيل حفنةً، ولكنه شعب يعرف كيف يوظف هذه الكمية الضئيلة في إنزال أقصى الضربات بالقوات المهاجمة، فإذا بهذه القوات العرمرميّة المهاجمة عاجزة عن التقدم بشكل فاعل نحو صنعاء أو غيرها من المدن الرئيسة في الشمال والوسط، بالرغم من كل ما تملكه من إمكانيات ومن تغطية مادية ومعنوية إقليمية ودولية.
ـ الحرج الأكبر الذي يعاني منه قادة العدوان هو رؤيتهم أن الحرب تتدحرج إلى الأرض التي يملكون السيطرة عليها، في عسير وجيزان ونجران، ليعود السؤال القلق عن مصير هذه المناطق، وعن مدى “أبدية” ضمّها القسري إلى مملكة الظلام السعودية، فترى مواقع بني سعود على الحدود تُسحق، والتحصينات تنهار، و”المستوطنين” يسارعون بالفرار، خوفاً من تقدم جديد لأبناء الشعب اليمني في عمق هذه “الأراضي المحتلة”.
هي إذاً جردة حساب مختصرة، تُظهر أن “عاصفة الحزم” تحولت بعد عام إلى غياب للهواء من قصور المعتدين، وأن “إعادة الأمل” باتت كابوس يأس يسيطر على أفكارهم، ويقضي على مخططاتهم، ويبيد جنودهم ويحطم كل كبريائهم.
وإن لم ينسحب هؤلاء سريعاً جداً من مواقفهم، ومن مواقعهم، فإن خاتمة الحزم والعزم ستكون الخيبة والخسران، لكل آلة البغي والعدوان.