الإنفصال أمل إماراتي كاذب لتقديم الجنوب لقمةً سائغةً للأمريكان “تقرير”
يمني برس- حسين الجنيد
تتعالى من حينٍ إلى أخر بعض الأصوات النشاز الداعية للإنفصال، وبالتزامن مع عيد الوحدة وصلت تلك الأصوات إلى أعلى مستوياتها متكئةً على وعودٍ إماراتية بدعم هذا القرار. في حين لم تبدي الإمارات أي خطوةٍ على الأرض بهذا الإتجاه؛ ليتضح أن وعودها تلك ليست سوى حطباً لتأجيج الصراع داخلياً، سيما بين جنوب الوطن وشماله، فيتسنى لها تنفيذ الإرادة الأمريكية بتهيأة البيئة المناسبة لإستكمال مراحل احتلالها للجنوب.
ولتتضح الصورة الضبابية للمشهد، يلاحظ الكثير من المتابعين للشأن اليمني أن تلك الأصوات المنادية بالإنفصال وإن كانت لا تمثل صوت الشارع الجنوبي بغالبيته إن لم نقل بأكمله، لا تدرك أن مشروع الإنفصال لن يصل بالوضع في الجنوب كما يتوقعون أو كما يتمنون، فالفطرة تقول أن التقسيم والتجزيئ لأي جغرافيةٍ مترابطةٍ بشكلٍ كلي لا ينتج حلولاً لأي اشكالات خلقتها ظروف سياسية طارئة، ولا تتعلق بطبيعة هذه الجغرافيا، مهما كان التنوع في العنصر البشري لسكانها سواء كان العرقي أو الديني أو الإثني.
وبما أن دوافع هؤلاء، لو سلمنا جدلاً بأصالة هذه الدعوات أنها نابعةٌ عن قناعاتهم الشخصية، نتاج مظلوميةٍ أفرزتها سياسات الحكومات السابقة السلبية، فحتمية خيار الإنفصال بالتأكيد لن يكون حلاً لمظلوميتهم كما يتصورن، بل ستقودهم إلى مرحلةٍ من تعاظم هذه المظلومية الممزوجة بالصراع الداخلي وتاريخهم السابق إبان الوحدة يشهد بذلك، عوضاً عن العديد من الشواهد التي تؤكد هذه الحقيقة.
أبرز تلك الشواهد ما جرى في السودان حين قرر أبناء جنوبها الإنفصال في دولةٍ مستقلة بسبب مظلوميتهم التي تسبب فيها النظام القائم حالياً في شمالها لأسباب عرقية ودينية، فهل عاش جنوب السودان الوضع الذي كانوا يتمنونه ويرجونه؟ الوضع الحالي يتحدث عن زيادة تعقد المشهد، فعلى الرغم من الدعم الإقليمي والدولي والأممي الذي حظي بها خيار الإنفصال، ورغم امتلاكم الثروة، لكن صراعهم مع الشمال لم ينتهِ، ناهيك عن الصراع الذي نشب في داخل الجنوب ذاتها بين الفرقاء السياسيين وضاعف هذا الصراعين أزمة أبناء جنوب السودان لدرجةٍ سوداويةٍ أوصلتهم حد الشعور بالمجهول لمستقبلهم.
الأستاذ محمد المنصور السياسي والصحفي الكبير يقول في أحد مقالاته التي نشرتها صحيفة الثورة، “من يريدون عدن مدينة خالصة لانتماء جهوي معين، هم في الحقيقة يغامرون باستدعاء نزعة التصفيات المناطقية داخل المكونات القبلية الجنوبية نفسها التي عبرت عن نفسها بشكل دموي في أحداث، يناير 1986م، التي حدثت حينئذ ودولة الجنوب ما تزال قائمة، فما بالنا اليوم وفي ظل عدم وجود الدولة، بل في ظل وجود قوات الاحتلال والغزو! وفي ظل حالة الاستقطاب الجارية بين السعودية والإمارات على السيطرة على قبائل الجنوب ومكوناته!”. في إشارةٍ منه لتعدد الأقطاب التي ستخلق الصراع الذي سيجلب الويلات على الجنوب.
حقيقة مواقف دول الإحتلال من الإنفصال
وبالتزامن مع العيد السادس والعشرين للوحدة اليمنية المباركة، تعالت أصوات أولئك المنادين بالإنفصال، على وقع إعلانهم بحدوث مفاجآت يوم الثاني والعشرين من مايو، تبنتها قنوات دولة الإمارات، في ايهامٍ لتلك الأصوات أنها تحظى باسناد ودعم الإمارات لمطالبهم بالإنفصال، بالإضافة إلى العديد من المواقع الإخبارية التابعة لهم التي نشرت أخبار تلك المفاجأت، محللون سياسيون توقعوا أن تلك المفاجآت هي قيامهم بإعلان الإنفصال، في حين لم يحصل أي شيء مما توقعه المحللون أو حتى حدث معين يعبر عن تلك المفاجآت.
وفي خطوةٍ أربكت حسابات دعاة الإنفصال، أرسل الملك سلمان برقية تهنئةٍ لهادي بمناسبة عيد الوحدة، في رسالةٍ واضحةٍ لرفض السعودية مسألة الإنفصال.
محللون سياسيون أكدوا أن هذه التهنئة ليست نابعةً من حرص المملكة على وحدة الأراضي اليمنية، بقدر ما هي ارباكٌ للمشهد لا أكثر، مشيرين إلى أنها كانت مخرجاً للإمارات من مأزق قيامها بخطوات جادة على الأرض لدعم مشروع الإنفصال كما وعدت مرتزقتها الداعين لهذا المشروع.
وهنا يبرز تساؤلٌ لدى العديد من المتابعين، إذا كانت الإمارات وهي المسيطرة على معظم المحافظات الجنوبية بإسنادٍ أمريكي على الأرض، لا تريد دعم مشروع الإنفصال، فما الغاية إذن من تقديم وعودها بدعمه وتبنيها لتلك الأصوات الداعية له؟
صحيفة “الغارديان” البريطانية، في تقريرٍ لها نشرته أواخر الشهر الماضي، تناولت فيه الوضع الراهن في عدن، والتحديات التي تواجه الإمارات في تحقيق الأمن داخل المدينة بعد تحريرها من سيطرة الحوثيين، حسب وصفها، وفي ظل التواجد الكبير للجماعات الإرهابية والذي اتضح أن حملة الإمارات العسكرية بمشاركةٍ ودعمٍ أمريكي، لم تنجح في تطهير عدن منها مدعمةً تقريرها باستمرار وتواصل العمليات الإرهابية داخل المدينة، الصحيفة أشارت في تقريرها إلى موقف الإمارات من الدعوات التي تنادي بالإنفصال، مؤكدةً أن الإمارات ليس بواردها دعم خيارٍ سيكلفها ثمناً باهضاً، كونها ستكون الحامل لدولةٍ ناشئةٍ، موضحةً أن الإمارات في غنى عن هذا الحمل الثقيل نظراً لمصالحها المحدودة في الجنوب والمقتصر فقط على تأمينها لدبي بتعطيل مدينة عدن عن تصدرها التجارة الحرة في المنطقة، لما تمتلكه من مميزات على مستوى الموقع الجغرافي المطل على أهم طرق وممرات التجارة العالمية.
التقرير أوضح بشكل دقيق طبيعة المصالح الإماراتية في الجنوب والمحصورة في مدينة عدن تحديداً، أنها تكمن بتعطيل مستقبل الإستثمار فيها وتحولها إلى أهم منطقة حرة على الصعيد الإقليمي والعالمي، مراقبون أكدوا أن التعطيل لمدينة عدن لن يكون بمقدور الإمارات تحقيقه إلا إذا أبقت عدن في حالةٍ من الصراع لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، وهذا يتطلب تواجد على الأرض لإدارة هذا الصراع والحفاظ على استمراريته، مشيرين إلى أن إبقاء الوضع كما هو عليه حالياً يعد من أفضل العوامل المأججة للصراعات في ظل اللا دولة واللا انفصال.
خدمة المشروع الأمريكي
وبالنظر لتفاصيل المشهد من زوايا أخرى، والمتعلقة بالمصالح الأمريكية، كنا قد أشرنا في تقرير العدد السابق الذي تناول موضوع الوحدة وتحديات المرحلة، إلى مخطط الإدارة الأمريكية وسعيها لإحتلال الأجزاء الجنوبية من اليمن، والحفاظ على استمرارية هذا التواجد وذلك من خلال الدور الذي تلعبه الإمارات لتهيئة المناخ والظروف لتحقيق تلك المخططات.
الجديد في الأمر هو ما كشفه مركز “كارنيغي” للدراسات الاستراتيجية، الأمريكي، في دراسةٍ له تناولت مستقبل الولايات المتحدة بعيداً عن الإستثمار النفطي، وأوضحت الدراسة أن أمريكا ترسم حالياً الخطوط العريضة لاستثمارها المستقبلي في الشرق الأسيوي، والذي يتطلب منها فرض نفسها على هذا الجزء من العالم القوي اقتصادياً، بالسيطرة على المساحات المائية المشرفة على أهم الممرات الدولية لطرق التجارة العالمية المؤدية للشرق الأسيوي.
وفي هذا السياق ومن خلال دراسة خارطة النفوذ في هذه المساحات المائية المشار إليها في الدراسة التي أعدها مركز كارنيغي، نجد أن الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ الأقوى فيها ولكن ليس بالشكل الذي تحدثت عنه الدراسة كمتطلب سيفرض الاستثمار الأمريكي في آسيا رغماً عن قوة الصين العظمى والمتسيدة على هذا الجزء من العالم.
فمن وجهة نظر عسكرية، تعتبر المساحة البحرية في المنفذ الشرقي من خليج عدن، ومن جزيرة عبد الكوري التابعة لأرخبيل سقطرى، إلى الجزيرة الرئيسة في هذا الأرخبيل، هدفاً استراتيجياً حيوياً للعديد من الدول العظمى منها أمريكا وروسيا والصين، كون هذه المساحة البحرية تشكل النسبة العظمى من منطقة العبور الدولية، مما يدفع الولايات المتحدة لتحقيق السبق بالسيطرة على هذه المساحة؛ لتضمن بذلك أوراق الضغط على تجارة الصين الذاهبة إلى القارة الأفريقية والأوروبية، وضمان قطع الطريق على خطوط نقل الطاقة الروسية التي تطمح روسيا لإنشائها من خلال الاستثمار في مجال الغاز والنفط في اليمن وربطها بخط غاز المتوسط وتوصيله إلى أوروبا، أو تحويله إلى آسيا للدول التي لا يصلها خط “قوة سيبيريا”، كما تضمن بقاء دول أوروبا العظمى في دائرة التبعية لها، هذا بالإضافة إلى حراسة مصالحها وتأكيد حضورها العسكري؛ كون هذه المساحة البحرية توفر عمقاً استراتيجياً لقاعدتها البحرية “دييغو غارسيا”، التي تبعد عن جزيرة سقطرى نحو 3000 كم.
يقول خبراء عسكريين، إذا ما استطاعت الولايات المتحدة السيطرة على جزيرة سقطرى، وإنشاء قاعدة عسكرية بحرية فيها، فستتمكن من دمجها وربطها بالبنية العسكرية القائمة بقاعدة دييغو غارسيا في جزر تشاغوس، وبذلك تكون قد حققت سيطرةً عسكريةً مطلقةً على المحيط الهندي، الذي يعد المفتاح الأهم للبحار السبعة في القرن الحادي والعشرين، وبذلك تكون أمريكا صاحبة اليد العليا في التحكم بالمصير العالمي أمام أقوى الخصوم الدوليين، وهذا بحسب وجهة نظر مراقبين ما دفع بالإمارات لتوقيع عقدٍ طويل المدى مع حكومة هادي في وقتٍ سابق للاستثمار الشامل والكلي لجزيرة سقطرى، لتمنح بذلك امتياز السيطرة على تلك المساحات المائية الهامة والاستراتيجية للولايات المتحدة.