ما بين مفاوضات حرض 65م ومشاورات الكويت 2016م .. هل يتكرر التاريخ بالقوة الثالثة العميلة ؟!.. بقلم / جميل أنعم
كتابات – يمني برس
مجرد مقاربة تاريخية مشروعة لما حدث من التدخل العسكري للعدو السعودي بعد قيام ثورة 21 سبتمبر 2014م، وما قبله ثورة 26 سبتمبر 1962م، وعقب التدخل العسكري، تبيّنَ للعدو الفشل في تحقيق أهدافه فكانت مفاوضات حرض 65م، ومشاورات الكويت 2016م،، مقاربة ومقارنة لابد من استدعائها، فالعدو هو نفسه الخارج السعودي وما يمثله إقليميا ودولياً سواء بالقرن العشرين أو الحادي والعشرين، إنه يعيد الحدث والمفاعيل والتداعيات والنهايات، فلنستحضر الماضي القريب لفِهم الحاضر من أجل استيعاب المستقبل . والنظام الملكي في اليمن لم يكن صنيعة استعمارية كالكيانات الملكية العربية في المنطقة، فهو نظام وطني طرد الاحتلال التركي، وحاول توحيد اليمن، ورفض الدخول في الأحلاف الاستعمارية، ورفض دخول الشركات النفطية الغربية لليمن، استهلال تاريخي لابد منه، للإدراك لاحقاً كيف تخلى العدو السعودي عن النظام الملكي ورموزه، عند توفر القوة الثالثة البديلة للنظام الجمهوري والنظام الملكي . في ذلك الزمان تحالف بيت الوزير والإخوان لمصلحة الغرب الاستعماري، ومدارس الحكومة تُدرِّسنا ثورة 1948م ثورة دستورية، أما أكاديمية التاريخ وضمير اليمن الفقيد عبدالله البردوني، يُـشير لـ 1948م على أنه انقلاب، فكيف لها أن تكون ثورة دستورية وقد نصّبَ “عبدالله الوزير” نفسه إماماً على اليمن وبلقب الإمام الهادي، وأطلق على انقلاب 17 فبراير 1948م، بـ “الثورة الدستورية”، والدستور ألّفه وكتبه الإخواني الجزائري “الفضيل الورتلاني” وكان الاستعمار البريطاني في عدن ينقل مقاتلين جواً من عدن إلى صنعاء للدفاع عن ثورة الإخوان، حيث أراد بيت الوزير بتحالفه مع الإخوان إدخال شركات الغرب الاستعماري، وبنظرة أعلى لما بعد، كان الإخوان من أدخلوا اليمن تحت الوصاية السعودية، وبشكل مباشر أو غير مباشر من 1965م حتى 2014م، باستثناء فترة حكم الحمدي، الذي حاول التحرر من القوة الثالثة وحلفائها الإخوان “الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر المسيطر على القبائل الشمالية” والتخلص من الوصاية السعودية فقتلته الوصاية والقوة الثالثة وآخرون . وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وإعلان النظام الجمهوري، وبأهداف مشابهة لأهداف ثورة مصر عبدالناصر وبحضور الجيش المصري لليمن، أدرك الاستعمار البريطاني في عدن أن الثورة في الجنوب قادمة لا محالة، ومن جهة أخرى أدرك النظام الملكي السعودي بأن الثورة ستدك أبواب المملكة من الجنوب، وانسحب ذلك على كل الأنظمة الملكية العربية، وحتى الشاه “رضا بهلوي” .. فتدخلت السعودية بإسناد عسكري غير مباشر لأنصار الملكية وبدعم من أمريكا وإيران والأردن إعلاميا وسياسياً ومالياً، وبعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية اليمنية، أدرك العدو السعودي وإمام صمود الجمهوريين الثوريين، نعم أكررها للتاريخ الجمهوريين الثوريين، استحالة النصر العسكري ولجأ إلى الخيار السياسي، مفاوضات مع استمرار العمليات العسكرية والسعي إلى اختراق أنصار النظام الجمهوري، وتحييد وإخراج الجيش المصري من اليمن، والتهيئة عسكرياً ومالياً وإعلاميا واقتصادياً لظهور قوة سياسية جديدة، تسيطر على الحكم بالقيادة الخلفية حيناً والمباشرة حيناً آخر، أنهم الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ عبدالله الأحمر، الذي كفّر الجنوب وتعز، وتخلت السعودية عن بيت الوزير أنفسهم، وإلى أمريكا .. ماما أمريكا، وبابا صهيون .. واختنا السعودية كان المصير . وبعدّة مسارات في آن واحد بعد فشل العدوان العسكري، فكان أولاً انشقاق الصف الجمهوري الـمُنشقين الجمهوريين بشعار الدولة الإسلامية “الإخوانية” بدلاً عن النظام الجمهوري والنظام الملكي، ومن هذه الفئة المنشقة ظهرَ الإخوان بقيادة الشيخ الأحمر وبالتحالف مع ضباط ومشايخ بواحدية المنطقة “مناطقية” وبواحدية المصالح “الخوف من الجنوب وتعز اليسارية” . وتكوّنَ حلف عسكري قبلي بزعامة إخوانية ووصاية سعودية ومظلة أمريكية صهيونية، وتمكّن من القضاء على الجمهوريين الثوريين، اغتيالات وسجن وإقصاء وتهميش وهروب الباقي إلى عدن الثورة والتحرر الوطني والسياسي والاقتصادي . وبظهور القوة الثالثة تخلّى بن سعود واسياده عن الجانب المَلكي، والجانب الملكي الدستوري الإخواني بيت الوزير، واختزال تمثيل أنصار الملكية بعضو واحد في المجلس الجمهوري لسلطة انقلاب 5 نوفمبر 1967م، السيد “أحمد الشامي” ظل في منصبه سنة سنتين وانتهى به المطاف إلى السلك الدبلوماسي الخارجي فالنسيان . وبه انتهى النظام الملكي والنظام الجمهوري الثوري، وتصدَّر الإخوان بقيادة الشيخ عبدالله الأحمر المشهد السياسي والعسكري بما عرف بالجمهورية المعتدلة وبالوصاية السعودية، وتاريخياً أنشق بعض هؤلاء عن صنعاء ورحلوا إلى السعودية، وحضروا مؤتمر كبير في الطائف 10 أغسطس 1965م الذي أعلن قيام “الدولة الإسلامية” مكان النظام الجمهوري، وبعد 15 يوم فقط، وقَّع النظام المصري والنظام السعودي اتفاقية جدة 25 أغسطس 1965م، والتي نصت على سحب القوات المصرية وإيقاف العمليات العسكرية السعودية الداعمة، ونوع الحكم يُقَر في استفتاء شعبي عام يجري في 23 نوفمبر 1966م وقبله يعقد مؤتمر وطني انتقالي من خمسين عضواً في مدينة حرض 23 نوفمبر 1965م، يقرر طريقة الحكم في الفترة الانتقالية حتى الاستفتاء وتشكيل حكومة مؤقتة وتشكيل نظام وشكل الاستفتاء الشعبي . وهنا لابد من التمعن كثيراً.. وعقد مؤتمر حرض في موعده وفشل المؤتمر بعد شهر من المفاوضات 23 ديسمبر 1965م، وصرح الوفد الجمهوري بأن الفشل يعود لإغفال النظام الجمهوري كأساس للحكومة الانتقالية، والجانب الملكي يرى أسباب الفشل بتعنت وتهرب وتصلب الوفد الجمهوري الذي انسحب من المفاوضات، والجانب الملكي يرد على ذلك “فلينسحب إلى الآخرة” وفشِل مؤتمر حرض للسلام باليمن . وبالواقع كانت هناك بنود سرية للاتفاقية نفذها النظام المصري بحذافيرها منها حجز قائد الثورة “السلال” في القاهرة والدمج القسري لعملاء الاستعمار البريطاني السلاطين مع مناضلي الكفاح المسلح في الجنوب ((وغدر وخان وكذب بني سعود وبالاغتيال وبالرشوة ضرب بالمعاهدات عرض الحائط دون إلغائها شكلياً، وشجّع كل الأطراف المتنازعة للانتفاضات الداخلية لدى جيرانها لتغيير سياستهم الخارجية)) – كتاب العربية السعودية للباحث الأمريكي ليبسكاي صفحة 139 . نعم غدر وخان بني سعود بالجميع والكل النظام المصري وأنصار الملكية والجمهوريين الثوريين ولمصلحة إخوان اليمن القوة الثالثة، ولرمز الخيانة المصرية السادات، ومع النظام المصري سعى النظام السعودي لإقامة الحلف الإسلامي من شاه إيران عدو عبدالناصر صديق إسرائيل في ديسمبر 1965م، وفي 27 ديسمبر وجه الملك فيصل وفهد رسالة إلى الرئيس الأمريكي “جونسون” حثَّ فيها أمريكا لدعم إسرائيل لاحتلال مصر وسوريا ووقف المد الثوري – نص الرسالة في كتاب تاريخ آل سعود لناصر السعيد صفحة 856 . وإسرائيل تشن حرباً على سوريا ومصر في يونيو 1967م، ويهزم العرب هزيمة أسموها بنكسة 67 . وقبل يوم واحد من العدوان الصهيوني على مصر وسوريا وبعد عودته من أمريكا، حط الملك فيصل في الظهران بدلاً من الرياض، وأبلغ وبوضوح كامل قوى الأمن بالظهران قائلاً “إن إسرائيل ستحتل مصر وسوريا يوم غد 5 يونيو، وسيكون احتلالها هذه المرة فاصلاً يغير مجرى التاريخ، وستكون نهاية “البكباشي” (يقصد جمال عبدالناصر) – ناصر السعيد صفحة 857 تاريخ آل سعود . ومقابل اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري المعتدل، عيَّن ناصر، السادات، نائباً له 1969م، ويُقتل عبدالناصر بالسم 28 سبتمبر 1970م، والسادات رئيساً ومارس 1979م مصر تعترف بإسرائيل، ولتنتهي حقبة الزعيم جمال عبدالناصر، وفي اليمن استمرت السعودية في تأجيج الحرب الأهلية اليمنية جمهوريين ثوريين وملكيين، استنزاف عسكري، وفي نفس الوقت دعم وتقوية الجمهوريين المنشقين عسكرياً ومالياً، ولتظهر قوة ثالثة تحل محل الطرفين المتقاتلين في الميدان، وبانقلاب 5 نوفمبر 1967م سيطرت القوة الثالثة على الحكم بصنعاء بقيادة خلفية للسلطة، وفي ديسمبر 1967م تم حصار صنعاء من الملكيين ومرتزقة أمريكان وفرنسيين، والشعب اليمني العظيم يفك الحصار بعد سبعين يوماً من الحصار، والانتصار العسكري يتحول لاحقاً إلى هزيمة بتكالب القوة الثالثة، التي اغتالت وقتلت وسجنت وسحلت الجمهوريين الثوريين، وبتهمة التطرف الثوري والحزبية، وليتحول النظام الجمهوري الثوري إلى “معتدل” وبسيطرة الشيخ الإخواني “عبدالله الأحمر” الذي كفَّر الجنوب والوسط تعز ودخلت صنعاء اليمن في عهد الوصاية السعودية الأمريكية، الشمال الإخواني يكفَّر الجنوب والوسط، والصراع الدموي شمالاً في شمالاً، وشمالاً ضد جنوباً.. مسيرة دموية طويلة.. والخلاصة… بعد تدخل السعودية في اليمن بعد ثورة سبتمبر 1962م عسكرياً وفشلها، ثم مفاوضات حرض وفشلها، كان اختراق الصف الجمهوري فتحقق الهدف السعودي الثلاثي، تصفية النظام الملكي بالجمهوريين الثوريين، وتصفية الجمهوريين الثوريين بالإخوان التكفيريين، وزوال خطر حركات التحرر الوطني العربية عن الأنظمة الملكية، صمّام أمان الكيان الصهيوني، وليتدفق النفط للغرب بأبخس الأثمان، هذا كان في القرن العشرين، وفي القرن الواحد والعشرين ثورة 21 سبتمبر 2014م، تهز عروش الأنظمة الملكية وبني صهيون وأمريكا، فكان العدوان العسكري الشامل، وأدرك الأعداء استحالة تحقيق النصر عسكرياً فكانت مشاورات الكويت . وبالمقارنة أو المقاربة مع مفاوضات حرض 65م، نتساءل هل يتكرر التاريخ ويحقق العدو السعودي هدفه بتطويع ثورة سبتمبر 2014م من الداخل بالقوة الثالثة المجهولة الاسم والايدولوجيا ؟ وبالواقع كانت هناك قوة ثالثة احترقت بفعل الصمود الأسطوري، هذه القوة كانت الجنوب وتعز ومحاولة تسليط الجنوب وتعز على الشمال وبخطاب مناطقي طائفي، واحترق أكثر بالتهجير المناطقي من عدن لتعز .. إذن العدو يراهن على ظهور قوة ثالثة تطيح بالجيش واللجان والمؤتمر وأنصار الله، ومن داخلها، قوة من صنعاء ومحيطها تظهر بمظهر المنقذ للوضع الراهن بتحميل ثنائي الصمود اللجان والجيش تبعات العدوان ومفاعليه، ذلك هو التكرار الذي يسعى إليه العدو بطريقة الانقلاب العسكري أو السياسي أو القبلي، يترافق مع غضب شعبي تحت وطأة الحصار وانعدام الخدمات وارتفاع الأسعار وتعطُّل الأعمال العامة، سيناريو الجوع والتجويع، وقوة ثالثة من الداخل وبإسناد خارجي، وهنالك ورقة إسناد ربما يطرحها العدو السعودي على الطاولة عن طريق منظمات المجتمع الدولي، غزو وتغلغل بذريعة التدخل الإنساني، ثم قلب الشارع ثورات داخلية بالتحالف المزدوج بين القوة الثالثة ومنظمات المجتمع، لذلك مشبوه من يطعن بالجيش والمؤتمر، ومشتبه من يطعن بأنصار الله واللجان الشعبية، وخائن من يتعرض للعلاقة الوطنية للجيش واللجان الشعبية، انتهى القول المباح .. والفصل المستباح هو الرد في العمق السعودي ودبي وأبوظبي والدوحة، وبصواريخ الردع الإستراتيجية، فالهجوم الهجوم وحده هو من سيقلب الموازين على الجميع، بني سعود وإسرائيل وأمريكا قبل الانتخابات الأمريكية ومجيء ليبرمان لوزارة الدفاع الصهيونية له مفاعيل تدميرية على المنطقة العربية، والوقاية خير من العلاج . وخلاصة القول، بن سعود سلط الشمال على الجنوب وتعز في القرن العشرين، وبسلاح الكفر والشيوعية .. وبن سعود يحاول تسليط الجنوب وتعز على الشمال في القرن الواحد والعشرين، وبسلاح التكفير والشيعة .. والقوة الثالثة هي الأداة المتنفذة كانت باسم الإخوان والشيخ الأحمر، والقوة الثالثة اليوم مجهولة الإخراج بالاسم والزمان والمكان، فالحذر الحذر من مسمى القوة الثالثة المنتظرة العميلة …