عبدالسلام المتميّز .. شاعر البندقيّة
بقلم/ عبدالرحمن غيلان
احترتُ كثيراً في الكتابة عن الشاعر المثقف الأستاذ / عبدالسلام المتميّز , فهو كالبحر يزخر بالنفائس الإبداعيّة , وكالبحر أيضاً في لفظهِ للمَيْتةِ من حواشي الكلام .
وهو الشاعر المكتظّ بتلك الثقافة الرائدة مُذ زهَت الرسالة المحمّديّة على صاحبها وآلهِ أفضل الصلاة والسلام .. تلك الثقافة القرآنيّة التي تتجلّى عميقاً في نتاج الشاعر المتميّز , وليست ادّعاءً لا واقع له .
يتميّز المتميّز بلغةٍ ثوريّةٍ عالية تنطقُ بها قصائده العملاقة في فطرةٍ انسيابية غير متكلّفة , مما جعلها تجد طريقها سريعاً للقلوب والعقول , وتجري على الألسنة بلسماً للأرواح , معبّأةً بألحانٍ بديعة يصدحُ بها أبرز المنشدين المتألقين وعلى رأسهم المنشد المبدع عيسى الليث الذي شدا بأكثر من خمسٍ وعشرين زاملاً لمبدعنا الأخّاذ بإبداعه عبدالسلام المتميّز .
إذاً نحن أمام متنٍ متكامل , تعيا الأرواح المتوضئّة باليقين أن تلتقط الهوامش في إبداعه المستنير .
***
تسمو روح شاعرنا المتميّز كعادته في توجيه المتلقّي بمشاعره نحو الله فيقول :
سبحان ربي بكرة وأصيلا
من كان حتماً وعده مفعولا
أدعوك مفتقراً وحسبي مفخراً
أني اتخذتك ياعظيم وكيلا ..
وهو ذاته عبدالسلام الذي يشحث الهمم نحو الجهاد دون نكوصٍ ، بل صبرٌ وتجلّد في كل الظروف .. طالما وهو يقوم بواجب الدفاع عن الأرض والعرض ضد معتدٍ جبان ..
ولّعت موجب همّتي والسالب
ومعك إلهي رغبتي وثّابة
مرتاح في برد الصقيع الذايب
أو في حرارة رملها اللّهابة
خوفي من الله القوي الغالب
وغير ربي ماحسبت حسابه
يارب ثبّتنا نقمْ بالواجب
نكسر قرون المعتدي وانيابه .
***
في اليوم الأول لانطلاق العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ، زمجر الشاعر المتميّز بطريقته العصيّة على الهوان :
يادعاة المعارك والقتالي ..
من نوى للحرايب بانجي له
شبوا النار من مدفع وآلي ..
ويل من قام ضد الحق ويله
لأجل شعب الكرامة والمعالي ..
بانشيل الحمولات الثقيلة .
بعد ذلك يقصف العدوان الغاشم منزل الشاعر عبدالسلام في صعدة الأبيّة فيصدح قلبه :
هبّت هبايب النود، تعصف بصاحب التاج
ومن الركام بنعود، نهزم قصور وابراج
بلغ خلايف سعود، الشعب للقا هاج
واثق بخير معبود، نوره سراج وهاج .
***
يتميّز المتميّز ضمن كوكبةٍ قليلة من خلاصة شعراء هذا الوطن بحسّهم القرآنيّ الرفيع .. إذ لا تعْيَا العيون من قراءة قصائده ، ولا تصدأ الأرواح والقلوب من تراكم إبداعاته ، ولا تنأى الأسماع من تحدّر شلاّلات معينه ، لأنه يكتب بلغة القرآن :
شعبنا يضرب باسمِ الله في
عينِ أمريكا ويسقيها العمَى
بِيَدٍ “لمْ ترمِهِمْ حينَ رمَتْ
إنما ربُّ السماوات رمَى ” .
ولأنه يرسم ميدان المعركة ونتائجها بمفردة القرآن :
ساحل تهامة دونه أهوال واخطار..
وسعود لازم “نسفعَنْ بالناصية”
فرعون جا للبحر والدور به دار…
واحنا عصا موسى بيَدْ قرآنية.
وهو الذي يتعامل مع عدوّه بأخلاق القرآن في السلم ” وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ” والحرب ” ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل مااعتدى عليكم ” :
إن هدّأوا هدّيت
وبعهدي وفيت
وان شبّها شبّيت
من شوكة وجرّ .
ثم وهو يستذكر هدي النبي محمد صلى الله عليه وآله في مبايعته لمعشر الأنصار في المدينة المنورة حين قال لهم ” أُبايعكم على أنْ تمنعوني ممَّا تمنعون منه نِساءَكم وأبناءَكم” فوافقوه على ذلك غير أن أحدهم اعترض بقوله ” : يا رسولَ الله، إنَّ بيننا وبيْن الرِّجال حبالاً، وإنَّا قاطِعوها – يعني: اليهود – فهل عسيْتَ إنْ نحن فعَلْنا ذلك ثم أظهرَك الله أن تَرجِع إلى قومِك وتدَعَنا؟ فتبسَّم النبيُّ – صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم – ثم قال: ” بل الدَّمَ الدَّم، والهَدْمَ الهَدْم، إنَّا منكم وأنتُم منِّي، أُحارِبُ مَن حاربتُم، وأُسالم من سالمتُم ”
ولأن بني سعود ينتمون لخبث وغدر اليهود ، فقد قال لهم الشاعر عبدالسلام المتميّز :
بالهدم جاك الهدم والدم بالدم ..
ياقاتل الأطفال حان القصاص
لابد تبكي دم والبادئ اظلم
نسقيك سمّ ارقم ومالك مناص
وقوة الله يامرادم جهنم ..
تهزم بوارجكم بجتري وشاص
شعبي عزم واقسم ولبّى وأحرم ..
خلاص ياعهد الوصاية خلاص .
ثم وهو يوظّف الأمثال الشعبية ، لا ينسى ثأره المشروع ، ثأر الوطن .. قال لهم :
بالتضحية بانحمي العِرض والدار ..
وبايجي بعدالحرايب عافية
عُمْر العرب ياخاين الدم والجار ..
ماباتموت إلا وهي متوافية.
ورغم ما يمرّ به الوطن الحبيب من عدوانٍ ظالم ، ومن مؤامراتٍ وتحالفاتٍ كونيّة ضدّ إرادته ، واستهدافاً لمقدّراته .. إلا أن الشاعر ” المتميّز ” لم يتجاهل القضيّة الأم للأمة العربية والإسلامية ، قضيّة الأقصى الشريف المُغتصب بيد الصهاينة ، بل جعلها قضيته الأولى ، إذ يقول في رسالة اليمن بيوم القدس :
سارت إلى لقياك راياتي..
ياقدس يا مهد النبوّاتِ
فلأنت أنت قضيتي الأولى ..
تمشي إليك خطى انتصاراتي
بيني وبينك حاجزٌ صلفٌ ..
حتما سأكسره بقبضاتي
يد قاتليك اليوم تقتلني ..
فهمُ همُ في الوصف والذاتِ .
المتمعّن في شعر المبدع الكبير عبدالسلام المتميّز يرى فيه بُغية الأمان لمن أراد السلام ، ومآل الردى لمن لا يفقه إلا لغة السلاح ، وذلك هو الشاعر الذي حمل هموم أمّتهِ ، والشاعر الفقيه بواقعهِ وإرهاصات نجاتهِ وحتوفه ، والشاعر الذي حمل القلم ليضيء درب شعبهِ ، والسلاح ليعيد الحقّ لوطنه دون خنوعٍ وركونٍ لقصيدةٍ لا تحمل العزّة ولا تحمي الديار ، إلا تلك القصيدة التي يشير إليها بقوله :
وساعتها لن أقول كلامـاً
حرام عليّ إذا قلت شعرا
سيقدح شعر البلاغة نـــاراً
وتنطق هذي البنادق جمرا
ولن نأخذ الحرف رفعاً ونصباً
ولكن على الخصم كسرًا وجرّا .
***
سيطول الحديث عن الشاعر ” المتميّز ” فهو عطاء لا ينضب ، والدروس النورانية والناريّة في قصائده أكثر من أن تحتويها عجالة كهاتهِ .. لكنني أدعو القارئ العاديّ ، والقارئ المتخصّص للإبحار في قصائد الشاعر ، والوقوف على روائعه العصيّة على النسيان ، وبدائع انثيالاته المنسابة على القلوب والأسماع كأبهى ما يكون .
لكنّ حسبي هنا أن أشير إلى ميزةٍ حباها الله لشاعرنا العملاق عبدالسلام المتميّز قد لا يهبها الله إلا للقليل من خلاصة الشعراء ، وهي أنه حاصل على إجازة علمية في العلوم الشرعية في عدة علوم كالنحو والصرف والبلاغة والفقه والتفسير وأصول الفقه وعلم الكلام وغيرها.. وتلك منحة إلهية وفقه الله إليها كما هي ظاهرة في ثقافته الدينية المستنيرة وواضحة في نصوصه الإبداعية .
ذلك هو بعض تطوافٍ في حدائق يقين وآمال الشاعر ” المتميّز ” ، وجولة سريعة لبعض عُدّتهِ وعتادهِ ، لنلثم تراب وطنه الآتي من تحت الركام ، ونؤمن بقضيته التي هي قضية كل مسلمٍ حرّ ..
أليس هو القائل :
سنقوم من دمنا وصبر جراحنا
فالنصر في ثغر الأسى يتبسّمُ ..!