بدأ “الامتعاض” الشعبي في العربية السعودية، يأخذ مُنعطفاً آخر، ولم يعد يُراد له أن يتوقّف عند منصّات التواصل “الافتراضية”، السعوديون يشعرون بأن القرارات التي تتخذها قيادتهم، لا تتماشى مع تطلّعاتهم، كما أنها باتت تؤثر على رفاهيتهم، وحياتهم، بل إن قوت يومهم أصبح في مهب رياح “العاصفة”، الأمر الذي يحتاج إذاً إلى المُناداة بالتغيير، أصواتنا يجب أن تصل، فعلاً لا قولاً.
على غير العادة، وضمن دعوة “جريئة” غير مسبوقة، وصلت إلى أكثر “الوسوم”، “هاشتاق” تفاعلاً وتغريداً، عبر موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، وحلّت في المرتبة الرابعة، وحملت عنوان دعوة إلى “إضراب الشعب يوم الأحد”، في بلاد كبلاد الحرمين تُمنع فيها حتى حريّة الرأي وحروف التعبير، وطلاقة اللغة المُعارضة الناقدة، فكيف بالتطلّع والانتقال إلى أكثر مظاهر الديمقراطية إشراقاً أو قساوة بالأحرى على الأنظمة القمعية.
دعوات التظاهر والإضراب، تلك الأمور أقرب إلى “المُوبقات” في المملكة، والحديث مُجرّد الحديث فيها يُعدّ جُرأة غير اعتيادية، فكيف الدعوة إلى تنفيذها حرفياً على أرض الواقع.
ونقلت “رأي اليوم” عن أحد النشطاء المُعارضين للحكومة السعودية، فضل عدم ذكر اسمه خلال تصريحه لها، واصفاً الوضع في بلاده “حينما يشعرون أننا نُعارضهم، بغض النظر عن نوع وحجم مُعارضتنا، يتهموننا بالخروج عن وُلاة أمرنا، وتدنيس قداستهم”.
وعبر “هاشتاق” إضراب الشعب يوم الأحد، قالت المُغرّدة نورة الحربي: “كفى انخداع الشعب بوعود معسولة”، كما أرفقت مع تغريدتها صورة مُتداولة لدعوة الإضراب.
أما حساب “العاقل الأريب” فأشار إلى أن دعوة الإضراب هذه من أجل أن يتوقّف تشليح المواطن، وأكد أنهم ليسوا قطيعاً، ولا عبيداً كي يُقادوا، وختم تغريدته “من حقنا أن نُعبّر وأن نغضب، وأن نسأل، وأن نُحاسب”.
وعلق الباحث السياسي فؤاد إبراهيم قائلاً “كلّما أوغل آل سعود قمعاً، ونهباً لأموال الناس، خرج علينا من يُحذّر المواطنين: إننا مستهدفون في عقيدتنا، ووطننا كفى كذباً”، أما الإعلامي غانم الدوسري فقد سخر من المُطبّلين بالقول “إمدح محمد بن سلمان، واحصل على 100 ألف دولار”.
“الإضراب” الذي دعا له الوسم اليوم الأحد، يشمل التغيّب عن الوظائف الحكومية، والخاصة، كما يعتمد إنهاؤه (إن تم) على تنفيذ الحكومة عدّة مطالب تتضمن إعادة البدلات والعلاوات فوراً، عدم فرض ضريبة القيمة المُضافة، وإيقاف مُخصّصات الأسرة الحاكمة، بالإضافة إلى تحرير السجون من المُعتقلين السياسيين.
وحسب رأي المراقبين، فان تُهمة “التخوين” أو “خيانة الوطن” هي الوسيلة الدفاعية المعنوية المُتاحة بالإضافة إلى التذكير “بجميل” الأمن والأمان أمام السلطات، تجاه تلك الدعوات الافتراضية غير المسبوقة لتنفيذ الإضراب على أرض الواقع، فالإضراب لا يتمثّل بشخص كي يتم اعتقاله، ومُصادرة صوته كما العادة.
السلطات بطبيعة الحال ستكون عاجزة عن اعتقال آلاف من المُضربين (إن نجحوا في فرضه)، وبالتالي كل من يدعو إلى نيل حقوقه بالاحتجاج السلمي عن طريق شل مظاهر الحياة العامة، سيكون “خائن”، ويُنفّذ أجندات خارجية، وهذا بالطبع كما يقول مراقبون وفق العُرف الإعلامي القائم الذي تروّج له الحكومة السعودية، في مُواجهة إضراب قد يرتقي إلى مستوى عصيان مدني، ويعتبر دخيلاً على قاموس التعاملات الأمنية لسلطات المملكة.
بلا شك، هو تحدي صريح للسلطات، واختبار فعلي لقياس “الاحتقان” الشعبي ضدها، حيث يقول مختصون في الشأن المحلي، أن لا أحد يستطيع أن يجزم مدى القدرة الشعبية في إنجاح أول إضراب شعبي تدعو له منصّات مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في تجربة أوليّة من قبلهم تُحاكي الأجواء “الافتراضية” التي سبقت ثورات الربيع العربي، قد يختلف الحال قليلاً في العربية السعودية، وتفشل دعوات الإضراب في فرض نفسها، حتى قبل فرض مطالبها، لكن الدعوات في حد ذاتها تبقى حدثاً غير مسبوقٍ، ومن بدأها، حتماً سيُكرّرها، يؤكد مختصون.