رؤية الحزب الاشتراكي اليمني المقدمة اليوم لحل قضية الجنوب في مؤتمر الحوار الوطني
يمني برس – خاص
قدم الحزب الاشتراكي اليمني اليوم رؤيته حول جذور القضية الجنوبية إلى فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل،حيث اعتبر الحزب الاشتراكي في رؤيته أن تولد القضية الجنوبية ظهر بعد حرب 94 وذلك من خلال السلطة التي استولت على زمام الأمور وسيطرت على مقدرات البلاد منذ 1994/7/7معتبراً ايها سلطه استبداديه وتقليديه لا تقبل الحلول السياسية والتفاوضية والتسويات والتنازلات المتبادلة حسب تعبيره ،مضيفاً أن السلطة أن ذاك لم تقبل التنازلات الحلول السياسية بل فضلت الحلول العسكرية والأمنية.
كما دعا الحزب الاشتراكي اليمني في الرؤية المقدمة إلى فريق قضية الجنوب جميع الأحزاب والقوى السياسية المختلفة أن تقوم بالنقد للذات، مشيراً إلى أن الحزب قد سابق إلى ذلك من خلال اصداره خلال العقدين السابقين اعتذاراً موجهاً إلى الشعب خلال نقد ضاف لتجاربه السياسية النظرية ، وتطبيقاتها على الواقع .
الرؤية التي قدمت اعتبرت الاستعجال في إعلان وحدة الجمهورية اليمنية ، قبل القيام بإجراء إصلاحات سياسيه واقتصاديه و تحقيقها بالملموس في داخل كل من الدولتين على حده هي احد بذور جذور القضية الجنوبية ، واما الجذور فكانت من اللحظة التي تم فيها اتخاذ القرار من قبل القوى السياسية والاجتماعية التقليدية المتنفذة في الشمال والتي كانت ممثلة بخليط من التحالف القبلي العسكري الجهادي الإسلاموي السلطوي باجتياح الجنوب واستباحته ، وتصميم وتجهيز متطلبات هذا الاجتياح والأعداد للحرب التي أعلن عنها يوم 27ابريل 1994م حسب ما ذكر في رؤية الحزب الاشتراكي .
الحزب الاشتراكي اكد أن إعلان الحرب في 27 أبريل هو الإلغاء التام والكلي للوجود السياسي للجنوب وإنهاء شراكته الوطنية الندية، وإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني من موقع الشراكة السياسية والوطنية ممثلاً عن الجنوب ، وتدمير كل مقدرات دولة الجنوب وتفكيك البنية الوطنية له .
وضاف الحزب الاشتراكي أن الحراك الجنوبي كشف أن النظام استبدادي وزائف وكشف ادعاءات النظام بالحرص على الوحدة اليمنية ،و إن إصرار الحراك السلمي الجنوبي على مواصلة نضاله السياسي وصموده أمام عنف السلطة وخياراته الأمنية بالقدر الذي كشف عجز السلطة في تقديم أية حلول أوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن حَّل مشكلات القضية الجنوبية يتعدى الحلول الشكلية إلى الحلول الجذرية فألازمه الوطنية أزمه بنيويه تتطلب حلها تحولات سياسات تغييريه كبرى حسب تعبيره .
نص الرؤية المقدمة ألى فريق القضية الجنوبية :
مقدمة
الأحداث والوقائع السياسية والتاريخية التي شكلت القضية الجنوبية جذوراً ومحتوى ، هي من نوع الأحداث “والوقائع الممتلكة للمعنى “، ولا تكون كذلك إلا ضمن سياق يجمعها مع أحداث أخرى ذات طابع مفصلي تتشكل منها وتتبادل التأثير فيما بينها كعناصر مترابطة يعتمد بعضها على بعض ، وفي هذا الصدد فإن السياقات السياسية والتاريخية والتي عبرت خلالها القضية الجنوبية عن نفسها تتمثل في الوحدة اليمنية والطريقة التي تمت بها الوحدة وأسلوب إدارتها من ناحيه ، والأسباب والعوامل التي أدت إلى ظهور الحراك السياسي السلمي الجنوبي وقد تولد عن الأوضاع المتردية التي ألت إليها أحوال الشعب في الجنوب بعد حرب صيف 1994واكتسب هويته السياسية من كونه الحركة الشعبية التي وضعت القضية الجنوبية على طاولة البحث والنقاش ، بعيداً عن أية أوهام إيديولوجية ، تتعلق بالوحدة اليمنية من ناحية أخرى كما ارتبطت القضية الجنوبية كذلك ، بطبيعة السلطة التي استولت على زمام الأمور وسيطرت على مقدرات البلاد منذ 1994/7/7وهي سلطه استبداديه تقليديه لا تقبل الحلول السياسية والتفاوضية والتسويات والتنازلات المتبادلة وتفضل الحلول العسكرية والأمنية ، إلى جانب محاسيبيتها من حيث تفضيلها لقوى مواليه على قوى أخرى غير مواليه – اضافة الى اصداء تطورات الثورة الشبابية الشعبية ضد السلطة الاستبدادية والتي انفجرت في العام 2011م.
إن الجدل الذي يدور اليوم حول القضية الجنوبية وتأويل بداياتها إلى خارج الزمن الذي نشأت فيه ، يبتعد تماماً عن النقاشات الواقعية بشأنها ، وذلك لأن خلط الأوراق التاريخية بالأوراق السياسية ، لن يؤدي الاّ إلى حجب الصورة الحقيقية للأوضاع ألراهنة ، فكيف يمكن لأحداث كانت قبل أحداث تاريخيه جاءت من بعدها وصارت فاصلاً بين زمنين أن تتفاعل مع قضايا سياسيه حيوية تؤثر على الواقع اليوم ، فحركة التاريخ هي زمان لا يمكن استعادته من اجل تصحيح مساره بأثر رجعي ، حيث لا يمكن الاتكاء على عناصر لحظه غائبه لا وجود فعلي لها في الحاضر ، فالسياسة في الماضي هي التاريخ اليوم ، وسياسات اليوم سوف تغدو تاريخاً غداً، وعلى ذلك فإننا نرى:
1-إن الحوار السياسي داخل هذا الفريق يجب أن لا ينزلق إلى مجرد مناظره فكريه أو ندوة سياسيه لا تنتج فعلاً ولا تحقق نتائج ( كما يشير مراراً إلى ذلك الأخ خالد بامدهف ) بل يجب للحوار أن يكون محدداً بالظروف السياسية ومعطياتها المادية المجسدة في الواقع بعيداً عن خدمة سياسات إحترافية تتواجد خارج استراتيجية محددة وتبقى محصورة في حدود مصالح فئوية أو شخصية ، مغلقه على أصحابها فقط .
2-أن نتجنب السفسطة في النظر إلى الأحداث بعيداً عن سياقاتها ، أو استعارة وعي راهن بمفاهيم مستجده ومعاصره لتطبيقها على أوضاع فترة تاريخية سابقه
3-أن نعمل على بلورة مواقف فكريه وسياسيه موضوعيه لمواجهة التحديات وإنتاج الحلول لتفكيك العقد والقضاء على المشكلات
إن أسوأ أنواع المواقف أو القرارات ، تلك التي تصدر عن تفكير رغبوي يداهن المرء بها ذاته وينافقها ، فيبتعد عن التقييم الرصين والمتزن لموضوعاتها ، وفي هذا الصدد نميل دائماً إلى الرؤى الفكرية السياسية التي نتيح مساحة من النقد الذاتي في قراءتها ، إذ ليس من أحداث مجتمعيه تحدث من دون أن يكون وراءها فاعل ما ، أو صانع لها ، ناهيك عن أن تكون تلك الأحداث سياسيه ذات تأثيرات واسعه على حياة الناس والأوطان والشعوب ، فيتوجب على هذا تحديد المسئول عنها من منطلقات العدالة والأخلاق الإنسانية .
إننا ونحن نؤكد على هذا النوع من النقد اخترنا المنزلة بين المنزلتين في هذا الحوار بيننا والمبينتين في الآيتين القرآنيتين الكريمتين “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ” ونعتقد أننا ظلمنا في مجريات هذا التاريخ الذي نقف امامه اليوم لنتأمل في بعض جزئياته ثم وجادلهم بالتي هي أحسن ” وفي هذا الصدد اسمحوا لنا أن نشير إلى عدد من الحقائق الذاتية لا الموضوعية التي تصنع التعقيدات في الحياة السياسية في بلادنا وتكون صادرة من الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية وخاصة المتنفذة منها ، والتي شكلت الاصطفاف السياسي الذي فجر الحرب في العام 1994م عندما يتعلق الآمر بتحديد مواقفها من القضية الجنوبية .
1-دائماً ما تساور هذه القوى الهواجس بشأن مسئولياتها في المشاركة في صناعة حرب 1994م والنتائج التي أسفرت عنها .
2-إن مواقفهم تجاه مشكلات القضية الجنوبية تتخذ دوماً مسلكاً وحيداً ، هو ترجيح أو تعطيل أو فرض قرارات أو قواعد أو ترتيبات ، بالمقاربة مع مصالحهم الاقتصادية المكتسبة من نتائج حرب 1994م كان ذلك في الجنوب أو في الشمال.
3-وفي مقاربتها الفكرية التبريرية لسياستها الحاكمة تعمل على تأكيد التوجهات الايديولوجية المستنتجة من رؤى لا وجود لها بشان المكانة التاريخية للشمال تجاه الجنوب ، وتحويلها إلى شروط تبني عليها علاقة رأسيه تراتبيه ، يتبين فيه الجنوب ملحقاً بالشمال مستضعفاً بحسب التوصيفات (الأصل – الفرع ) ،(الأم – البنت ) أو أن العلاقة بينهما أشبه ماتكون بزواج كاثوليكي ليس فيه طلاق والعصمة هنا طبعاً بيد الشمال.
4-النظرة التبسيطية والاختزالية لتعقيدات تطور هوية الجنوب اليمنية وعزلها عن مجمل معطيات مراحل التاريخ السياسي الوطني للجنوب المعاصر في سياق النضال ضد الاستعمار من اجل تحرره واستقلاله ووحدته . ومازلنا حتى اليوم نشهد بأن الصراع على هوية الجنوب وكأنه لم يحسم بعد وكان هذا أيضا من نتائج حرب 1994( سنتوسع في تناول هذا البعد في القضية الجنوبية عندما نقدم رؤيتنا حول محتوى القضية )
وعلى ذلك فإننا في الحزب الاشتراكي اليمني نؤكد على من يهمهم الأمر ويعنيهم (أصحاب النقاط الأربعة سالفة الذكر) أن يقوموا بنقد أنفسهم وتصحيح رؤاهم المؤسسة على المرتكزات الأربعة المشار إليها وفي هذا الشأن يرى الحزب الاشتراكي اليمني ، بان المعايير الناجعة والملموسة لنقد الذات والوقوف أمام النفس ، تتجلى في واقع الممارسة محققه للفائدة خلال استراتيجية هادفة تؤدي إلى مراجعة السياسات التي يمكن لها أن تؤثر على المستقبل ، ولن نستطيع جميعنا التمكن من ذلك إلا إذا أوجدنا للنقد ومخرجاته النظرية ، علاقة عضوية بمؤسسة تستطيع أن تُفَّعل النقد وتَحوله إلى محاسبة نزيهة للضمائر والنفوس ، ولعلنا نشير بهذا إلى أن يكون المؤتمر الوطني الشامل هو المؤسسة المْرجوَّة.
إننا في الحزب الاشتراكي اليمني وإذ ندعو الأحزاب والقوى السياسية المختلفة ، إلى فعْل النقد للذات، فقد فعلناه نحن سابقاً ، وقد اصدر الحزب خلال العقدين السابقين اعتذاراً موجهاً إلى الشعب خلال نقد ضاف لتجاربه السياسية النظرية ، وتطبيقاتها على الواقع ، والنتائج التي ترتبت عنها ايجابيه كانت أم سلبياً في وثيقة نقديه تحليلية ، وقف أمامها مندوبو منظمات الحزب بالمحافظات في الدورة الأولى للمؤتمر العام الرابع المنعقد في الربع الأخير من العام 1999م إننا قمنا بذلك إكباراً للشعب اليمني كله وإجلالاً لصبر الشعب في الجنوب ، وأي صبر .
بذور الجذور
قبل الحديث عن الجذور ووفقاً لمنهج هذه الرؤية ، التي اوضحناها في المقدمة فان القضية الجنوبية وتطور أحداثها ، وإذ هي ذات ارتباط وثيق ومتشابك بالوحدة اليمنية في صورتها الحالية ، من بعد حرب صيف 1994م بعد إفراغها من مضمونها السلمي والنَّدي بين الشمال والجنوب ، فثمة أرضية غرست فيها بذور تلك الجذور نود هنا الإشارة إليها بحكم الضرورة ، وتتكون هذه من الوقائع التالية وما انطوت عليه من أحداث وممارسات في حينه :-
1-الطريقة الاستعجالية في تحقيق الوحدة وإعلان الجمهورية اليمنية ، قبل القيام بإجراء إصلاحات سياسيه واقتصاديه كان يجب تحقيقها بالملموس في داخل كل من الدولتين على حده وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالوحدة الوطنية وقد تمزق نسيجها الداخلي بفعل الصراعات السياسية والتي انتجت الاقصاء والتهميش لقوى سياسيه واجتماعيه معارضه داخل كل شطر، ما أدى الى النزوح المتبادل من والى احدى الدولتين السابقتين، ليكون واقع الوحدة خالياً من جملة العناصر على المستويين الذاتي والموضوعي التي يمكن لها أن تصنع الأزمات السياسية والاقتصادية وتؤدي إلى فشل الوحدة .
2-عند إعداد الوثائق والأدبيات التأسيسية للوحدة وقيام الجمهورية اليمنية ، تم التركيز فيها على البحث والتأكيد على التجانس فقط ولم يتم التفكير مطلقاً في الفوارق بين مجتمعي الدولتين في حينه ، وكان يجب إعطائها حيزاً مناسباً للعناية بها وجعلها من ابرز مهام المرحلة الانتقالية من اجل تسويتها أضافه إلى أن اتفاقية الوحدة لم تتضمن نقاط القوه لدى الجنوب ومزاياه الجيواستراتجيه والسياسية وما كان لمواطنيه من مزايا حقوقيه
3-وأخذاً في الاعتبار ، لما جاء في النقاط المذكورة في اعلاه فقد تمت الوحدة بين الجنوب والذي كان سلمه ألقيمي يتمثل بالشعور بالهمّ العام والتلاحم من اجل القضايا الكبرى وكان ان بنيت تلك على التنمية البشرية ونهج التطور الحضاري والروح الاستقلالية ، وبين الشمال مع النخبة السياسية الحاكمة فيه وكان الشعب اليمني في الشمال حينذاك معزولاً تمارس ضد قواه الاجتماعية المعبرة عن مصالحها سياسياً في الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية التي كانت تمثل ألمعارضة السياسية في ظل تحريم الحزبية والقمع الأمني في الشمال .
بينما كان السلم القيمي لتلك النخبة السياسية المتنفذة والحاكمة ضاجا ومشحونا بمفاهيم الكسب والتربح وتفتيت القضايا الكبرى والتفكير بالثراء بدون جهود تمارس ومن دون اية ضوابط أخلاقية ، فكانت الفجوة بين طرفي الوحدة كبيره ومائله بوضوح للعيان من أول لحظة .
الجذور
تعود جذور القضية الجنوبية ، إلى اللحظة التي تم فيها اتخاذ القرار من قبل القوى السياسية والاجتماعية التقليدية المتنفذة في الشمال والتي كانت ممثلة بخليط من التحالف القبلي العسكري الجهادي الإسلاموي السلطوي باجتياح الجنوب واستباحته ، وتصميم وتجهيز متطلبات هذا الاجتياح والأعداد للحرب التي أعلن عنها يوم 27ابريل 1994م في الخطاب المشئوم الذي القي في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، أن استعادة مشهد المنصة الاحتفالية في ذلك اليوم كفيل بالإفصاح عن مهندسي ومصممي حرب صيف 1994م والتي كان الهدف من ورائها ، الإلغاء التام والكلي للوجود السياسي للجنوب وإنهاء شراكته الوطنية الندية ، وتحجيم موقعه ومكانته وتقزيم حضوره في الجمهورية اليمنية .
وكان التحالف السياسي الذي شكل سلطة 7يوليو بأطرافه العسكرية والتقليدية والدينية والمناطقية ومنذ العام 1993وحتى انفجار التظاهرات الشعبية والاعتصامات الجماهيرية في الجنوب وبروز الحراك السلمي السياسي قام بالخطوات والأعمال التالية التي شكلت جذور القضية الجنوبية، أستعرضها أمامكم في ثلاث عناوين رئيسيه :-
1-إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني من موقع الشراكة السياسية والوطنية ممثلاً عن الجنوب
2-تدمير كل مقدرات دولة ج .ي .د . ش في الجنوب
3-تفكيك البنية الوطنية للجنوبيين
1-إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني
كان الهدف السياسي الرئيسي من إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني إلغاء اتفاقيات الوحدة والتنصل عنها وأبعاد طرف سياسي يمثل الجنوب من ناحية وبشكل الحامل الوطني لمشروع الدولة اليمنية المدنية الحديثة من ناحية أخرى ، وتكتلت مجموع تلك القوى السياسية والاجتماعية الرافضة للمشروع الوطني الحداثي وبنا الدولة المدنية ، ضده ، وعملت على محاصرته بأفعال عنفيه ماديه ولفظيه بدءاً بمحاولات اغتيال قادته واغتيال العشرات من كوادره المدنية والعسكرية والسياسية في الشمال والجنوب .وتسخير الأعلام الرسمي ومنابر المساجد وأشرطة الكاسيت والمطبوعات الورقية في هجومات دعائية تعبويه متواصلة بما في ذلك في صفوف الجنود والضباط والعسكريين داخل المعسكرات المنتشرة في أرجاء الشمال طالت موادها كذلك الشعب في الجنوب بصيغ تضمنت الإساءة إلى أخلاقياته بهدف تشويه سمعة النظام السياسي الاشتراكي في الجنوب وتلطيخ تاريخه بالسواد باستخدام كم هائل وضخم من الأكاذيب والاختلافات ومفارقة الحقيقة والاتهامات الباطلة . ولم يدركوا خلال حماستهم التي نفذوا بها مخططاتهم أنهم كانوا يقومون من حيث يدرون أو لا يدرون بتقسيم البلاد راسيا فوضعوا الشمال في مواجهة الجنوب وأسسوا الخطوة الأولى نحو تكريس الشعور بالانفصال في النفوس وبلا جدوى الوحدة في الوعي لدى الجنوبيين
2- تصفية الارث المادي والمعنوي للوجود السياسي للجنوب
أن الإطاحة بالحزب الاشتراكي اليمني عن موقع الشراكة في السلطة لم يكن ليفي وحده بتحقيق الهدف الرئيسي من الحرب الموجهة إلى الجنوب لإلغاء وجوده السياسي وكان لابد من استكمال هذا المشروع بتدمير الارث السياسي والمعنوي والمؤسسي للدولة في الجنوب وتخريب تراثها السياسي والإداري ونظامها المالي والقانوني والقضائي ، والعمل على التخلص من المؤسسات الاقتصادية والقطاع العام من خلال عمليات ممنهجه لحساب المتنفذين العسكريين والسياسيين والزعامات والوجاهات القبلية كما صودرت لصالح هؤلاء مزارع الدولة والتعاونيات الزراعية والخدمية وكانت هي عماد الجنوبيين في حياتهم المعيشية . وفي تلك السياقات تم القذف بعشرات الآلاف من العمال والموظفين والكوادر الإدارية إلى سوق البطالة أضافه إلى تسريح ومقاعدة عشرات الآلاف آخرين من العسكريين العاملين في القوات المسلحة والأمن والشرطة ضباطا وجنوداً وتم وضعهم خارج نطاق العمل بحد أدنى من الحقوق وبعيداً عن مواد الدستور والقوانين والأنظمة الإدارية
3- تفكيك البنية الوطنية للجنوب
أن تفكيك البنية الوطنية المعاصرة للجنوبيين ظلت المهمة الرئيسية لسلطة 7يوليو وتحالفاتها السياسية التقليدية القبلية والدينية وكان الهدف الأول لها على هذا الصعيد طمس الهوية الحضارية للجنوب بمعنى ضرب كل تواصلانه مع العصر الحضاري الراهن ومضمونه “الحداثة ” وكان الهدم يطال كل منجزاته المادية والمعنوية ذات الصلة بالحداثة ، فعملوا بداية على تبديل مواقع ومكانة الطبقات والفئات الاجتماعية الحديثة من خلال وضعها في ألمرتبة الدنيا من بعد إفقارها بأساليب متنوعه من ضمنها تلك الممارسات التي اوضحناها في ألفقرة السابقة فيما يتعلق بتدمير الدولة ومؤسساتها وتسريح العاملين فيها ومقاعدتهم قسراً عسكريين ومدنيين إضافة إلى العمل بشتى الوسائل لإعادة أنتاج المجتمع القديم ، بتمكين رموزه التقليدية من بعض المقدرات الاقتصادية للجنوب تحت يافطات براقه وشعاراتيه بشان تصحيح الأخطاء والمظالم الناتجة عن قرارات التأميم الاقتصادية والعقارية. وكان هذا الأسلوب يتم في سياقات عديده لتشكيل قاعدة زبائنيه لهم في الجنوب تتبع المراكز العليا للسلطة من اجل تسخيرهم لتنفيذ مهام خاصة ذات أبعاد سياسيه صراعية وعصبويه ولتفكيك المجتمع في أرياف الجنوب والقيام بزعزعة أوضاعه واستقراره بمحاولات تفجير النزاعات والثارات القديمة ، وتشجيع الانتقام السياسي باستخدام الوسائل والأساليب ذات الطابع الإرهابي ، وتهيئة الظروف المناسبة لتطبيق هذه السياسة من خلال تفريغ المديريات باستثناء عواصم المحافظات من الوجود الإداري والأمني النظاميين وتغييب جُلّْ الأشكال المعبرة عن حضور الدولة ، وتعميم ظاهرة انتشار وحمل السلاح والترويج له بصورة منتظمة في محافظات الجنوب كافه وإتاحة الفرص لانتشار الأعمال المافياوية وطابعها اللاأخلاقي أما التوجه الثاني على هذا الصعيد كان إلغاء مناهج التربية والتعليم ذات الطابع الحداثي من مجموع المقررات الدراسية وتعميم المواقف والأخلاق السلبية تجاه المرأة ودورها في المجتمع وإلغاء المكتسبات الإنسانية التي نالتها المرأة في النظام السياسي السابق في الجنوب.
كما اتخذت سلطة 7 يوليو الإجراءات العملية كافة والتي تضمن لها تفكيك البنية الوطنية للجنوب بما في ذلك قولبة الأوضاع السياسية والاجتماعية والمعيشية بما يتناسب وعقلية وهيمنة السلطة على الجنوب بقبضة حديدية وفي هذا الصدد أمعنت السلطة في الممارسة الممنهجه لتحويل المواطنين في الجنوب إلى رعايا وتوابع واتخذت في سبيل ذلك أربعة أساليب عمليه :-
الأول : زرع الروح الانهزامية لدى الجنوبيين وزعزعة الثقة بأنفسهم من خلال أهانه تراثهم النضالي وتحقير رموزهم النضالية والسياسية عمداً وانتزعت المعالم التاريخية المجسدة لوجودهم السياسي والمميزة لشخصيتهم الوطنية في أطار مشاركتهم في الوحدة اليمنية.
الثاني : فرض المنظومة السياسية والاجتماعية والتقليدي التراتيبيه للجمهورية العربية اليمنية في الحياة اليومية في الجنوب بتعميم ثقافة المنتصر الاستعلائية وعقليته السياسية التي تحتكم للموروث الاجتماعي الذي يحدد مكانة الإنسان بالانتماء العائلي والسلالي والعرقي أو بالغنى بمقدار ما يملك من المال والعقار
الثالث : حُكم الجنوب بقوانين حالة الطوارئ من دون الإعلان عنها والتي تجيز للسلطة إطلاق يدها في ممارسة العنف الرسمي واستغلت ذلك في إشاعة الفوضى والانتهاكات القانونية وتقسيم الناس إلى كثير من المستضعفين وقلة من الأقوياء المتنمرين.
الرابع : ألامعان في تصوير الجنوبيين عاجزين عاله على غيرهم من خلال التنكر الاعلامي المستديم في السياسة الاعلامية للنظام القديم لما يسهم به الجنوب في الدخل القومي ورفد الخزانة العامة للدولة ، وبالتضخيم المبالغ فيه حد الكذب الصريح بشأن المصروفات التنموية على المحافظات الجنوبية.
رفض الجنوبيين ومقاومتهم لسياسات الضم والإلحاق:
عند التأمل بتأن وبهدوء بعيداً عن الانفعالات ولانحيازات العاطفية ، مع أو ضد ، نجد القضية الجنوبية منسوجه بشكل محكم من تلك الجذور وتجلياتها المادية والمعنوية ، في حياة الجنوبيين المعيشية اليومية ، وفي تدهور مكانتهم الوطنية ، وكانت الاحباطات والانكسارات هي العناوين الرئيسية في تفاصيل طموحات المواطن الجنوبي ،وذلك قياساً على ما كان عليه هذا المواطن في ماضيه القريب
وزاد الطين بله لديهم ،خيبة الأمل التي أصيبوا بها من أحزاب المعارضة السياسية التقليدية والتي كانت تطالبهم بالبحث عن الحلول لمشكلاتهم بالتمركز حول الوحدة بما في هذا المطلب من إجبارهم على أن يتمثلوا مشكلاتهم من منظور مشكلات الأخر منفصلاً عن واقعهم المعيشي بتفاصيله أليوميه ( بالقول بان الشعب اليمني كله يعيش هذا الوضع متناسيين أن لا مجال للمقارنة بين الأسباب الفاعلة في هذا الصدد بين الشمال والجنوب )فاسقطوا آمالهم في أحزاب اللقاء المشترك وماثلوها بالسلطة ، وأداروا ظهورهم لها وقرروا أن يمثلوا أنفسهم بأنفسهم في البحث عن حلول لواقعهم الأليم والمزري ، واتجهوا نحو اخذ الأمور بأيديهم وقد وجدوا حوافزهم إلى اخذ زمام الأمور بأيديهم تزداد يوماً بعد يوم كلما تأكد لهم غياب الإرادة السياسية لدى السلطة للوقوف بشجاعة أمام المعضلات والمشكلات التي صنعتها سياساتها في الجنوب.
قاوم الجنوبيون كل سياسات النظام السابق القائم على الضم وإلالحاق وطمس هوياتهم ، ورفضوا الخنوع بأشكال شتى من المقاومة السلمية بما فيها الاحتفاظ بمسافة بينهم وبين السياسات التي أدارتها السلطة لإحتواءهم. واتخذت تلك المقاومة في ما بعد أشكالاً تنظيمية متنوعة مثل : اللجان الشعبية وحركة موج ثم حتم وظهور تيار أصلاح مسار الوحدة داخل الحزب الاشتراكي و تشكلت جمعيات للدفاع عن حقوقهم كان أرقى أشكالها جمعيات المتقاعدين العسكريين وجمعيات الشباب العاطلين عن العمل واختطوا أساليب جديدة في التعبير عن رفضهم لأوضاعهم التي تم قسرهم عليها بالاستفادة من مواد دستوريه تسمح للمواطنين بالتعبير والتظاهر والاعتصامات وأخذت تلك الأشكال من التعبيرات الشعبية في الاتساع والتكرار وقامت السلطة بمواجهة الفعاليات الشعبية والجماهيرية السلمية بالخروج على الدستور والقوانين واختارت أسلوب العنف الدموي ومطاردة القيادات الشعبية وزج الكثيرين منهم في المعتقلات وقد تفوق هولاء على السلطة أخلاقياً بالاستمرار بالنضال السلمي كلما أوغلت السلطة باستخدام القمع الأمني ، وعدم الاستجابة للمطالب الحقوقية إلا بالقطارة وأساليب التفافيه وملتوية كان للفساد في جهاز الدولة دوراً فاعل في هذا الصدد أمعنت السلطة أكثر فأكثر باستخدام القمع الأمني والحلول الأمنية لمشكلاتها بعيداً عن المشكلات الحقيقة للشعب فزاد عدد الشهداء في المسيرات والاحتجاجات السلمية واكتسبت هذه المسيرات من بعد مضموناً جديداً تمثل في توديع مواكب الشهداء ، مره بعد أخرى في ظل غياب أيه مساندة جماهيرية معتبره من محافظات الشمال للدفاع عنهم من ظلم السلطة وتغولها عليهم ، فارتفعت الأصوات مجدداً بالنداءات من أجل التسامح والتصالح بين الجنوبيين ومن داخل هذا المضمار انبثق الشعور بالجنوبيه ، وتبلورت الحركة الشعبية إلى حركه سياسيه من خلال تأسيس الفصائل المختلفة للحراك السلمي في الجنوب.
موقع الحراك السياسي السلمي من القضية الجنوبية
موقع الحراك السياسي السلمي في القضية الجنوبية والعملية السياسية الجارية اليوم في البلاد تتمثل في الحقائق المبينة ادناه ، وهي :-
1-الحراك السياسي السلمي اسقط من نفوس المواطنين في الجنوب والشمال الخوف وكسر حاجزه عندما وتجاوز تقييد السلطة والمؤسسات الأمنية وغيرها من الأجهزة التنفيذية الحكومية للاعتصامات والتظاهرات والمسيرات الجماهيرية ، وفتح بذلك أفاق رحبه أمام نضال قطاعات وأسعه من الشعب للحصول على حقوقها ورفض التسلط عليها ومثل نموذجاً لانطلاق الثورة الشبابية الشعبية السلمية
2-كشف الحراك الجنوبي لا ديمقراطية النظام بل واستبداديته وزيف إدعاءاته بالحرص على الوحدة اليمنية والوطنية عندما واجه النضالات الشعبية بالأساليب القمعية معبراً بذلك عن الاستمرار في نهج الحرب
3-إن إصرار الحراك السلمي الجنوبي على مواصلة نضاله السياسي وصموده أمام عنف السلطة وخياراته الأمنية بالقدر الذي كشف عجز السلطة في تقديم أية حلول أوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن حَّل مشكلات القضية الجنوبية يتعدى الحلول الشكلية إلى الحلول الجذرية فألازمه الوطنية أزمه بنيويه تتطلب حلها تحولات سياسات تغييريه كبرى .
4-ساعد الحراك السياسي السلمي وبعد أن حقق لنفسه مكانة الحامل والرافع للقضية الجنوبية على أن تقوم أحزاب اللقاء المشترك بإعادة تصوراتها بشان القضيه الجنوبيه وتعديل مواقفها بشأنها نحو مرونة اكبر وتفهم موضوعي مبتعدين عن الصياغات والمراوغه لمواقفهم تجاهها .
5-وأخذاً في الاعتبار للأبعاد سالفة الذكر من الاهميه بما كان اليوم أكثر من أي وقت التعامل مع الحراك بفصائله المختلفه وهي تمثل قطاعات وأسعه من الشعب في الجنوب والسعي من خلاله الحراك إلى كسب ثقة الشعب هناك خاصه ومن بعد الثورة الشبابية الشعبيه التي أوجدت مناخات وطنيه وأفاق مفتوحه وتغييريه نحو المستقبل والعمل على تطييع جميع القوى السياسيه علاقاتها بالحراك السلمي في الجنوب.
وعلى كل ما سبق يمكن لنا أن نؤكد على أن القضيه الجنوبيه جاء نتاجاً لكل تلك الأفعال والممارسات التي شكلت جذوراً لها وعلى ذلك نرى في الحزب الاشتراكي اليمني أن جميع الحروب الشطريه بين الدولتين السابقتين في كل من الشمال والجنوب والتي تمت باسم الوحده أو باسم العقيدة وكذا الحروب والصراعات السياسيه الداخليه الشماليه الشماليه والجنوبيه الجنوبيه في كل من الدولتين جميعهما لم تنتج قضيه جهويه قضيه شماليه أو قضيه جنوبيه فكل تلك الصراعات جرت في سياقات وضمن شروط سياسيه داخليه مختلفه يجمعهما ويوحدهما ، أن الطابع السياسي لكل من الدولتين شمولي وكل منهما بطريقته الخاصة تراوحت بين ألاستبداديه والتوتاليتاريه … وعلى ذلك فمن غير الممكن قراءة التاريخ وتوصيف إحداثه بأثر رجعي كما لا يمكن محاكمة ونقد التجربة السياسية في ماضي البلاد قبل قيام الجمهورية اليمنية ، بالمنطق الفكري السياسي لليوم ، لأننا لو فعلنا ذلك فسنجد أنفسنا أمام قراءه لا موضوعيه لا تاريخيه ولن نتمكن من أية إضافة نقدية للواقع ولن نخرج ابداً بحلول موضوعيه لمشاكلنا .
إن القضية الجنوبية وجدت وتشكلت وتبلورت مشكلاتها ، داخل تاريخ الوحدة بالشكل الذي عبرت عنه الجمهورية اليمنية من بعد حرب 1994م ، وهي بذلك نتاج موضوعي سياسي وتاريخي للحرب التي استهدفت إلغاء الوجود السياسي للجنوب وليس لأي سبب أخر ، ذي صله بالوحدة اليمنية أو برسالة دينيه أو بمشروع وطني تحرري ليبرالي وحداثي.
انتهى بعون الله تعالى