عادت لي ذكريات الطّفولة ومراحل سنوات الدراسة التي كنّا نصطف فيها طوابير ليس إلا للاستعداد ليوم علمي نشيط قد استمعنا فيه لما يحيي قلوبنا وينعش أفئدتنا من آيات الله ،ثمّ ننصت لحديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وفقرة فقرة نقدّمها في طابور الصّباح ننتهي بعدها للحن تعشقه الأرواح يغني لليمن وبصوت واحد نحاول تنظيم وترتيب نغماتنا ونساوي صفوفنا احتراما لهذا النّشيد الذي نرمز به للوطن الأغرّ…
نعم : هكذا كان مفهوم الطّابور لدينا ،وحي من حبّ الوطن ،التفاف واصطفاف، وتقديس العِلم والعَلَم لنحيا أغلى لحظاتنا في تلك الدّقائق بعدها يبحر كلّ أستاذ بنا؛ لنرحل معه رحلة علمية نستقي منها العلوم ، التي ننوي بها خدمة خالقنا ودينه وما خلّفنا فيه ، وهو الوطن ….
وتدور الأيام لأجد عدوان العالم على هذا الوطن يقرّب المفاهيم للبعض فينضمون لطابور يروقهم ويستظلون تحت الرّقم خمسة ؛ ليس عِشقا للخمسة آل الكِساء ؛ وليس هياما بأركان الاسلام الخمسة ،و ليس حمدا لله على نعمة الصّحة التي نرفع أكفّنا التي يحمل كلّ منها أصابع خمسة،و ليس تقديسا لصلوات خمس تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وتنهى عن تكفير الآخر وهو مسلم.
والخمسة ليس أحد أعداد الفتية الذين قطنوا الكهف حين آمنوا بربّهم فزادهم الله هدى …
وليس الخمسة هو عدد أولي العزم من رسل وأنبياء الله ، وليس الخمسة …وليس الخمسة…الخ مما كان موجودا في ذاكرتي عن العدد خمسة ؛ لينبري الخامس وصفا لكلمة طابور ؛ فيشكّلان رمزاً،ومفهوماً يوحي بالخيانة والفشل والمتاجرة بالقيم و بالوطن و الشّرف؛ فهو يحكي قصّة عملاء رهنوا أنفسهم للغازي واصطفّوا في خفاء ليخلخلوا صفوف الوطنيين في فلسفة أنتجها فن التّشابه في ظروف الحرب ، وبطبيعة البشر يتناقلون فيما بينهم التّجارب ويستعيرون مفاهيم يفرضها تشابه الأحداث وتكرارها باختلاف الأشخاص وتوالي الأزمان وتنوّع البيئات؛ فيبقى الطّابور الخامس من موروثات الحدث والواقع الأسباني الذي أُفرِز بعد الحرب العالمية الثانية وقد تكالبت أربعة طوابير من المحتلّين ضدّ الأسبان الأحرار ، يقاتلون بها عيانا بيانا ؛ بينما يحتفظ الطّابور الخامس بخطورته في عمله الخفي الصّامت كونه من أهل البلاد (من الأسبان) ،ولكنّه عميل للغازي ، كالسّوسة التي تنخر جسد الشّجرة من الدّاخل فما أن تهبّ ريح فتُجتث الشجرة من جذورها وتقع على رأسها ،معلنة استسلامها لمن يكسرها أو يحرقها…
هؤلاء هم الطّابور الخامس العاملون دؤوبا لزعزعة أمن أوطانهم لصالح الغازي …
أولئك العقاقير المنتهيّة والتي لا تاريخ انتهاء لها إلا بالخسف من على وجه الأرض ،وأمّا تاريخ الانتاج لهم فحين التحقوا بالعدو و باعوا ألسنتهم وأقلامهم له ..
أولئك العملاء هم عقاقير تصدّق بها الماسون على الأوطان ،فشحنوها بالمصول واللقاحات الأشدّ فتكا بحياة الأوطان …
نعم أولئك العملاء المرتزقة في الطابور الخامس كعقاقير مُزِجت باللامبادئ واللاقيم فحُقِنوا بالأمراض الفكريّة : (مذهبية، مناطقية،عنصرية) المنحرفة عن فطرة الانسانية في حبّ الأوطان والدّفاع عنها بكل ما يؤتى بشر ؛ في حين يتحوّل أفراد وطاقم الطابور الخامس إلى مسوخ مشوّهة مريضة يُراد بها مسخ الأرض والإنسان؛ ليسهل دوسه في أي زمان ومكان ،فتضيع مبادئ وتُنسف كلّ غيرة وشهامة ورجولة الرّجال حين يصبحون مجرّد رقيق تُباع في أسواق السّياسة التي يجدر بها أن تُسمّى فيهم ومعهم تياسة ونجاسة..