هل سيقف “بن نايف” مكتوف الأيدي أمام سحب البساط من تحته؟
بقلم : خالد الجيوسي
توجّهت الأنظار نحو السعودية مُجدّداً في الأيام القليلة الماضية، وبدأ المهتمون والمختصون في شأنها، وكل من لهم عداوة أو صداقة معها، يُحلّلون “القرارات الملكية” الليلية، والتي صدرت عن مليكها سلمان بن عبدالعزيز، وشملت عدّة تغييرات وتعديلات، على الصعيد السياسي، الاقتصادي، والعسكري.
كما استطاع وزير خارجيتها عادل الجبير أن يُعيد الأضواء لبلاده، حول تصريحه الثابت والوحيد، والأحلى والأجمل والأقرب إلى قلبه، وهو أن لا مكان للرئيس بشار الأسد في مُستقبل سورية، فمن كان يبحث في سر الصمت السعودي، والغياب عن التصريحات “النارية”، هوّن عليك، فما هذه إلا سجيّة مُغرم، يسأل عن حبيبته الحاضرة، والحديث هنا عن السعودية بالطبع!
ولأننا أحد “المُهتمين” في الشأن السعودي، وهي تُهمة لا ننفيها، سنقف في مقالنا هذا على عدّة نقاط، جرى تحليلها في الأيام الماضية مع أجواء القرارات الملكية، ولنا فيها رأيٌ آخر، ونظرة أخرى قد تصيب، وقد تخيب، بحكم أننا من البشر كما تعلمون أيها القرّاء الأعزاء.
سنبدأ من التحليل الذي يقول، أن الملك سلمان قام بالاستئثار بالسلطة، أو بالأحرى قام بنقل سلطة أبناء الملك عبدالعزيز، إلى أبناء سلمان، بتعيينه أحد أبنائه الأمير خالد بن سلمان في منصب سفير المملكة في واشنطن، والأمير عبدالعزيز بن سلمان وزيراً للطاقة، وحفيده أحمد بن فهد بن سلمان، نائباً للمنطقة الشرقية “النفطية”، واستحدث مجلساً للأمن الوطني مُرتبط بالديوان الملكي، وهذا تقليص لصلاحيات ولي العهد الأمير محمد بن نايف، باعتباره وزير الداخلية، لحساب ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فلماذا يكون هناك مجلس أمن وطني، بوجود وزارة داخلية، ووزيرها “القوي” بن نايف، يتساءل أصحاب هذا التحليل.
نتّفق تماماً، أن هذه الإجراءات الملكية، هي تحضير “خفي” لاستلام الأمير الشاب “بن سلمان” زمام الأمور في المملكة النفطية، وتنصيبه ملكاً للبلاد، وذلك مع وجود إخوانه في بعض المناصب كالأمير خالد في منصب سفير واشنطن، باعتبار بلاد الحرمين “حليفة” للأخيرة، ولن يتم ترتيب بيتها الداخلي إلا بمُباركتها ورضاها، لكن نختلف أو لنا رأي آخر في ردّة الفعل التي قد يُقدم عليها “المُهمّشون” مُوخّراً، وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن نايف، والذي يجري الحديث عن “عزله” من ولاية العهد كتحصيل حاصل، وهو المُتمكّن سياسياً، والمشهود له عالمياً في ملف مكافحة الإرهاب، وتدرّج في خبراته، فهل يخرج الرجل “من المولد بلا حمص”، ويُسلّم السعودية لأبناء سلمان؟
تحليل آخر يقول، أن قرار تعيين الأمير فهد بن تركي قائداً للقوّات البريّة، جاء لأن السعودية ستُقدم على تصعيد في معركة “الحزم”، مع إعطاء الولايات المتحدة الأمريكية لها مُهلة لنهاية العام، لحسم العاصمة صنعاء عسكرياً، وإعادة الشرعية “المزعومة” للرئيس هادي ورهطه، يُطرح هنا تساؤل تلقائي، عن إمكانية إتمام هذا الحسم، وفي هذه المدّة القصيرة، فإن كانت ومع دخولها العاصفة عامها الثالث، ولم “تحزم”، فكيف يُمكن أن يجلب الأمير فهد هذا “العزم” ضمن مهلة الأمريكي، فهل مد الله مثلاً طائرات الحزم، “بطيرٍ أبابيل”؟ وهل دفع رواتب شهرين “مكافأة” للجنود المشاركين في “عاصفة الحزم”، و”إعادة الأمل” يصنع منهم “رجالاً خارقين”، في أحسن الأحوال برأينا سيمتص خيبة هزيمتهم.
في المجالس السعودية، هناك حديث يتداوله أهل الصحافة والسياسة، ويقول: أن الوزير عادل الجبير بقي في منصبه، حتى “يتمكّن” من “إسقاط الأسد”، ووصف داعميه الحرس الثوري، وحزب الله بالإرهابيين، وهو الذي (الجبير) كان من ضمن المعفيين من مهامهم في القرارات الملكية الأخيرة، إلى جانب العادل الثاني، عادل الطريفي وزير الإعلام، هذا الحديث بمثابة طُرفة بالطبع يجري تداولها بين بعض السعوديين، فحتى اعتبار تواجد الحرس وحزب الله، اعتبرته روسيا “شرعياً” كتواجد قوّاتها الجويّة، لأنه جاء بناءً على طلب الحكومة الشرعية لسورية، وهي حكومة بشار الأسد بطبيعة الحال.
عودة البدلات والعلاوات لمُوظّفي الدولة كما كانت، كان من ضمن القرارات “السلمانية” الأخيرة، ويقول قائل: أن عودتها كانت مُتوقّعة، فهي ذهبت فقط جرّاء “قرارات” عاصفة التقشّف، وكانت ستعود عاجلاً أم آجلاً، لكن بتقديرنا جاءت ضمن توقيت حسّاس إجباري، فخزينة المملكة على حالها، والمُتغيّر الوحيد هي الدعوات “الجريئة” التي أطلقتها “حركة 21 إبريل”، للتظاهر الجمعة الماضي، وحقّقت نجاحاً “افتراضياً” و”أمنياً”، وتَبعها قرار عودة البدلات.
عُموماً القرارات الاقتصادية كلها للتخدير، تصف نظرة تشاؤمية الحال السعودي، ومنع الأسوأ، لأن المطّلعين يؤكدون أنه سيتبعها لاحقاً، قرارات اقتصادية تعويضية أكثر إيلاماً يكون عنوانها جيب الشعب، والذي تقوم إحدى نظريات قيادته، على أنه في النهاية “يثور” افتراضياً ثم يهدأ بالنهاية، وهو تقدير، قد تُغيّره من وجهة نظرنا عوامل الحِراك الشعبية الذي يفرضه الواقع، حتى مع وجود تلك الطبقة البسيطة من الشعب، والتي لم يهمها من القرارات الملكية، إلا قرار موعد تقديم الامتحانات النهائية، قبل شهر رمضان.
قبل الختام، هناك ثغرة لا بُد من الإشارة إليها، وهي أن الأمير الشاب محمد بن سلمان “انفتاحي”، ويُؤمن بعصر الترفيه، على عكس الأمير محمد بن نايف، والذي يَحمل بعضاً من صفات أبيه نايف بن عبدالعزيز “المُتشدّدة” تُجاه الانسلاخ عن ضوابط الشريعة الإسلامية، والمؤسسة الدينية في السعودية “مُمتعضة” جرّاء تقليص صلاحياتها، ووجودها بالأحرى على الساحة، فهل يُمكن أن نَشهد تحالفاً سياسياً دينياً بين بن نايف والمُتشدّدين في المؤسسة الدينية، على أساس التقاء المصالح يستغلّه بن نايف للبقاء في السلطة، ومُحاربة مُحاولات الملك سلمان، وابنه “صاحب الرؤية” السيطرة تماماً على مفاصل الحُكم، وتعود معها سيطرة الإسلاميين، الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
- كاتب فلسطيني