– لأسباب ذاتية وموضوعية، مبررة وغير مبررة، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس مؤخرا عن وثيقة مبادئ سياسية جديدة استبقت انتخاب إسماعيل هنية رئيسا لمكتبها السياسي بديلا عن خالد مشعل الذي أشيع منذ فترة أن قطر تدفع به لخلافة القرضاوي في رئاسة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وكان لافتا أن حماس أعلنت في وثيقتها القبول لأول مرة بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، من منطلق أن حل الدولتين غدا “صيغة توافقية وطنية مشتركة” ، وهذا ما جعل أصوات في حركة فتح تطالب حماس بالاعتذار لمنظمة التحرير الفلسطينية عن مواقفها التخوينية في السابق.
وبهذا تكون حماس قد تخلت موقفها الراديكالي المحمود تجاه القضية الفلسطينية، كمدخل للتموضع كحركة سياسية معتدلة، على غرار مشروع (الاعتلال العربي)، الذي انطلق باسم الواقعية وقدم التنازلات تلو التنازلات للكيان الصهيوني، الذي انفتحت شهيته يوما بعد آخر حتى بات يرفض مقترح حل الدولتين، ويطالب العرب والفلسطينيين الاعتراف بـ “يهودية” دولة إسرائيل!.
لا شك أن المتغيرات الدولية والإقليمية المحبطة، تدفع حماس للحاق بركب فتح في ما يتعلق بالموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة أن الدول العربية تعيش صراعات داخلية جعلت من القضية الفلسطينية عنوانا هامشيا لا أكثر. ولا شك أن الانقسام الفلسطيني، وحالة الإخوان المسلمين بشكل عام أملت على حركة حماس هذه المراجعة في الشكل والمضمون، غير أن هذه المراجعة انطوت على تنازلات تخدم الكيان الصهيوني، وكان بإمكان حماس أن تتنازل للفصائل الفلسطينية في الداخل، وتحافظ على موقفها الثابت من إسرائيل ومن طبيعة الصراع معها، ومن الحلول الانهزامية المطروحة للقضية الفلسطينية.
قيل أن حماس أرادت بهذه الخطوة التراجعية فك الارتباط بالإخوان المسلمين، وتحسين علاقاتها بمصر وبعض الدول العربية والإسلامية، لكنها بنزوعها نحو البراجمانية المفرطة أكدت هويتها الإخوانية، وبدل أن تقنع الآخرين بوجهها الجديد، خسرت من كان يحترم مواقفها (الراديكالية) من الكيان الصهيوني.
لن تقبل إسرائيل بهذه التنازلات، وستطالب بالمزيد منها، بدليل موقف تل أبيب من حركة فتح التي انساقت وراء أوهام السلام، فلم تجلب سوى الخزي والعار.
ولن يقبل الشعب الفلسطيني في المقابل، باستمرار هذا الواقع، بدليل “صحوة الأسرى”، التي تؤكد على إرادة وصلابة هذا الشعب المقاوم، وعلى أن سنة الله ماضية في خلقه، إذ يقول عز و جل: “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”. صدق الله العظيم