القيادات العربية والقضية الفلسطينية.. ما أشبه الليلة بالبارحة
يمني برس – تقارير
لا يختلف حال معظم القيادات العربية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية اليوم عما كان عليه الحكام العرب أيام النكبة، فبتتبع السلسلة السياسية لهؤلاء الحكام نجد أن القيادات الماضية كالرئيس المصري الأسبق أنور السادات، على سبيل المثال قد فتح الطريق لتطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي.
وبدأت القيادات المتلاحقة تقديم التنازلات التدريجية واحدة تلو الأخرى، لتتحول القضية الفلسطينية من قضية العرب المركزية إلى قضية يمكن مناقشتها على هوامش الاجتماعات والقمم العربية، ليس هذا وحسب بل أكبر طموحات الشعب الفلسطيني في حال أراد التعويل على القيادات العربية هو أطروحة حل الدولتين، وهو ما يعني التخلي عن تحرير كامل التراب الفلسطيني من الصهاينة، بل ومنحهم المشروعية لإقامة ما يسمى بدولة إسرائيل على الأراضي التي تم اغتصابها، فيما يتبقى للشعب الفلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.
الدور العربي في التفريط بالقضية الفلسطينية
بعد المصادقة على قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 من طرف هيئة الأمم المتحدة إلى دولة عربية وأخرى يهودية إلى جانب منطقة القدس الدولية، أعلنت الصهيونية سنة 1948 عن قيام ما يسمى بدولة إسرائيل، فشرعت في تقوية جيشها ومصادرة أراضي الفلسطينيين وتشريدهم، نتجت عنها حرب 1948، التي زادت في توسيع رقعة الكيان الصهيوني على الخارطة الفلسطينية.
حرب 1948 بين الكيان الصهيوني ووحدات جيش الإنقاذ العربي الذي ألفته اللجنة العسكرية للجامعة العربية انتهت بنكبة للعرب، واستيلاء إسرائيل على 77% من فلسطين وتشريد مليون فلسطيني نحو الضفة والقطاع.
بعدها وقعت حرب 1956 تحت مسمى العدوان الثلاثي «بريطانيا، فرنسا، العدو الإسرائيلي» على مصر، بعد قرار جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، ولم تنسحب القوات المعتدية إلَّا بعد تدخل المجتمع الدولي.
بعد 11 سنة من العدوان الثلاثي حدثت حرب 1967 وتمثلت في الهجوم المباغت للكيان الصهيوني على مصر وسوريا والأردن بعد تضررها من المقاطعة الاقتصادية العربية، وفي تلك المرحلة ولدت فكرة حل الدولتين، فبعد أن أسفرت حرب 67 عن هزيمة الجيوش العربية واحتلال إسرائيل لمناطق عربية جديدة، أصدر مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة في 22 نوفمبر 1967 القرار رقم 242 بحل الدولتين.
وكشف الرئيس السابق لشُعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيليّة، شلومو جازيت، النِقاب عن دعم المغرب لإسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967، ففي عام 1965، مرّر الملك المغربي السابق حسين الثاني تسجيلات سرية لإسرائيل، تتصل بمحضر اجتماع عقد بين القادة العرب لمناقشة استعداداتهم للحرب ضد إسرائيل.
في العام 1969 أقدم المستوطنون الصهاينة على اضرام النار بالمسجد الأقصى على مرأى من العالم العربي، يومها قالت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني، غولدا مائير «لم أنم تلك الليلة لأنني اعتقدت أن العرب سينتفضون وسيأتون إلينا لاستعادة القدس ولقتلنا قبل بزوغ الفجر، لكن شيئًا من هذا لم يحصل» وتضيف: «إنني مندهشة وفي غاية السعادة لأنني أدركت أن العرب سيبقون نيامًا».
في عام 1973 وقعت حرب أكتوبر بعد تعنت الكيان الصهيوني، حيث اكتسحت سوريا الخط الدفاعي، واكتسح الجيش المصري القناة، وانتهت الحرب بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية وإعادة الوضع لحاله السابق، وفي هذا السياق كشفت الوثائق الإسرائيلية عن لقاء جمع الملك الأردني، حسين بن طلال، برئيسة الوزراء الإسرائيلية، يوم الخامس والعشرين من سبتمبر 1973، حيث أكد لها أن مصر وسوريا تستعدان لشن حرب ضد إسرائيل، موضحًا أن الجيش السوري في حالة جهوزية للهجوم، وهو الأمر الذي يشير إلى تواطؤ الحكام العرب نحو القضية الفلسطينية.
المرحلة الخطيرة والتي شكلت بداية التفريط العربي أسسها الرئيس المصري السادات عبر اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني عام 1978، والتي انعقدت بواشنطن، وأهم مقرراتها اعتراف مصر بإسرائيل وربط العلاقات معها مقابل انسحاب الكيان الصهيوني من سيناء، وبعد ذلك لحقت الأردن بمصر عبر اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل 1994، واعترفت فيها الأردن بإسرائيل.
القادة العرب في الوقت الراهن
في الوقت الراهن يتبع بعض الزعماء العرب استراتيجية خطيرة تؤثر بشكل كبير على تصفية القضية الفلسطينية، تتمثل في خلق عدو جديد للعرب والمسلمين ليكون بديلًا عن العدو الإسرائيلي، فبعض القادة العرب يحاولون إظهار إيران كعدو بديلًا عن الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي أربك حسابات التيارات المقاومة، سواء كانت فلسطينية أو لبنانية، في تلك المرحلة الدقيقة من الحرب المفتوحة مع العدو الإسرائيلي.
فبعد توقيع اتفاقية أوسلو في سبتمبر 1993، لم تخفِ بعض الدول العربية دورها المشبوه في دفع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، للتوقيع على الاتفاق للحيلولة دون الرجوع الفلسطيني إلى خيار البندقية، وهو الدور الذي مازالت تسعى إليه بعض الأنظمة العربية الراهنة، فإظهار إيران كعدو بديلًا لإسرائيل يسير في هذا الاتجاه أيضًا.
فالدول العربية الساعية لشيطنة إيران، كالمملكة السعودية وقطر وبعض الدول الخليجية والعربية، استطاعت فصل حركة حماس عن إيران، حيث كانت الأخيرة تدعم «حماس» بالمال والسلاح ضد العدو الإسرائيلي، الدول الخليجية استطاعت أيضًا شيطنة حزب الله، بل كانت المحرك الأساسي وراء استصدار قرار من جامعة الدول العربية في مارس 2016 بوضع حزب الله على قائمة الإرهاب، المحاولات الخليجية في إظهار إيران ـ وهي التي تشكل امتدادًا تاريخيًّا وحضاريًّا وإسلاميًّا مع الأمة العربية على حساب إسرائيل ـ أضرّ كثيرًا بالقضية الفلسطينية، حيث لم تعد القضية المركزية، وتراجعت لحساب الأزمات المفتعلة لما يسمى بالربيع العربي، فنقاشات القمم العربية الأخيرة استحوذ عليها الملف السوري والليبي واليمني والعراقي أكثر من الفلسطيني.
وبات معظم الحكام العرب يُصنفون حاليًا في خانة المتآمر على فلسطين القضية والشعب، في محاولة تهدف إلى طمس القضية الفلسطينية برمتها، من خلال إشاعة جو من إمكانية التطبيع المستتر مع الكيان الصهيوني في الإعلام أو في الرياضة الأولمبية أو عبر لقاءات لشخصيات عربية كانت تشغل مناصب سياسية وعسكرية سابقة في بلادها.
وأتاح الملك السعودي الحالي، سلمان بن عبد العزيز، المجال لتحركات سعودية تجاه الكيان الصهيوني؛ مثل العميد السعودي المتقاعد أنور عشقي والأمير تركي الفيصل، تحت عنوان التسويق للمبادرة العربية التي رفضها العدو الاسرائيلي منذ إطلاقها في العام 2002 بمؤتمر القمة العربية في بيروت، ومصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي مازالت متمسكة بالمبادرة العربية، بل وأطلقت مشروع السلام الدافئ مع العدو الإسرائيلي رغم رفض الكيان الصهيوني المبادرة العربية، والتي تنص على عدم إقامة أي علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة كافة حتى خطوط الرابع من يونيو 1967.
ولا يقتصر التقارب على مصر وإسرائيل، فالإمارات سمحت بالأمس للسياح الإسرائيليين بزيارة أراضيها دون تأشيرة، والبحرين استضافت قبل أيام وفدًا صهيونيًّا لمناقشة أمور تتعلق بالفيفا، والسودان باتت تتقارب تحت الظل مع إسرائيل، والتعاون الاقتصادي على أوجه بين كل من قطر والأردن مع إسرائيل.
الدول العربية التي مازالت تتمسك بالمبادرة العربية بحل الدولتين ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، فرغم أنه حل منقوص للقضية الفلسطينية وتنازل صريح عن حقوق الشعب الفلسطيني، إلَّا أن الدول العربية تغض الطرف عن هذا التنازل، ومازالت تسعى لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، رغم أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، رفض حل الدولتين وطالب بحل الدولة اليهودية كبديل عنه، وفي الأمس القريب قطعت إسرائيل خطوة جديدة على طريق مشروع تهويد الدولة، بعد مصادقة لجنة إسرائيلية على قانون الذي يعد «إسرائيل وطنًا قوميًّا لليهود عاصمتها القدس»، وهو الأمر الذي ينسف أكذوبة حل الدولتين.
كما أن هناك دورًا مشبوهًا تلعبه دول عربية وإسلامية كقطر وتركيا على المقاومة الفلسطينية، فرغم ادعاء قطر أنها تشكل حاضنة لحماس، إلَّا أنها مازالت تمارس ضغوطًا على الحركة الفلسطينية، فالدوحة القادرة على حل أزمات قطاع غزة كأزمة الكهرباء ورواتب الموظفين، مازالت تحجم عن مساعدتها، وهي الضغوط التي يراها مراقبون على أنها تخدم السلطة الفلسطينية الساعية لإخضاع حماس لسلطتها.
والمفارقة هنا أنه رغم الخلافات التي تجمع بين الدوحة والقاهرة في كل ملفات المنطقة، إلَّا أن حصار قطاع غزة بأشكاله المختلفة قد يجمع بين الإرادتين العربيتين المتباينتين، مما يشير إلى أن هناك تواطؤًا عربيًّا مع المحتل الصهيوني يخدم الأجندة الإسرائيلية، بصرف النظر عن الخلافات أو التوافقات العربية.