من يرفض الرضوخ للذات والارتماء في مستنقع الشهوات هو أنسان أخلص العبودية لله فعبد نفسه له وذللها في سبيل طاعته ونيل رضاه.
ويعتبر الصيام من الركائز الأساسية التي من خلالها تسمو نفسية الإنسان وترتقي في سلم الكمال الايماني بل تصبح نفسا زاكية تتقبل هدى الله
فتسبح في عالم الملكوت الالهي تسعى بشوق ولهفة لتنفيذ أوامر الله فتكون أكثر أنتاجا وإصلاحا في هذه الحياة.
لأن من أهداف الصيام هو تعبيد الإنسان لله
والانتصار على النفس وكبح جماحها ونزواتها
وتعليم النفس التعود على الصبر والامتناع عن الرغبات طاعة لله
ولهذا نشاهد فريضة الصيام في القرأن الكريم منحة إلهية منحها الله لعباده كي يتخلصوا من مظاهر الحياة المادية التي يعيشونها طوال العام
فيبدأ الغذاء الروحي لهذه النفس من خلال الاستجابة لله لاداء هذه الفريضة .
وبما أن شهر رمضان له الأهمية الكبيرة كونه شهر الله تترافق مع هذه المكانة عظمة الكتاب الذي أنزل فيه .فهنا تتجلى لنا عظمة هذا الشهر الكريم لأنه شهر القرأن قال الله جل شأنه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)صدق الله العظيم
فهو شهر الهداية والرحمة والغفران والعتق من النار
ومن خلال الصيام يحصل الإنسان على جوهرة ثمينة هي التقوى والتي تعتبر ثمرة لصيام الانسان بل وعلامة لقبول الصيام من عدمه
قال الله جل شأنه:(ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)صدق الله العظيم
هذا هو الهدف الاساسي من الصيام (التقوى)
وعندما يصبح الانسان من المتقين معناه أنه باع من الله نفسه وحياته وأصبح تعلقه وحبه لله أكثر من أي شيء في هذه الدنيا يتطلع دائما الي النعيم الاكبر والدائم في مستقر رحمة الله وفي دار كرامته وعندما نعود الي أمير المؤمنين وقرين القرآن الامام علي بن أبي طالب(ع) عندما وصف المتقين فقال عليه السلام:(عظم الخالق في أنفسهم فصغر مادونه في أعينهم) فالصيام مدرسة إيمانية متكاملة يتعلم منها الاحرار أن الله هو الأكبر فلا شيء في هذه الحياة يرعبهم أويخيفهم مهما بدى كبيرا في الصورة أمامهم لأن الله العظيم قد ملأ نفوسهم عظمة فما دونه صغير وقزم
عرفوا الله فعشقوه بوله ورغبة يدعونه بقلوب فقيره الي عفوه ورحمته ملتجئين إليه في كل أمورهم فهو ملاذهم وكهفهم الحريز
والانسان الذي يرى الله كبيرا لايخاف ولايضعف ولايستكين .
من هنا نعرف الحاجة الماسة للإستفادة من هذا الشهر المبارك بالاتزام بما أمر الله والابتعاد عما نهى عنه في هذا الشهر الكريم وترويض النفس على التجلد من خلال الامتناع عن الاكل والشرب وغيرهما مما نهى الله عنه في نهار شهر رمضان وليله والاستفادة من قراءة القرأن والدعاء والتسبيح والاستغفار والذكر حتى يخرج الانسان من هذا الشهر وقد أصبح عبدا لله يتولاه ويخافه ويخشاه
رافضا لكل من نصب نفسه الها للناس من عبيد الدنيا معلنا للبراءة منه وممن تولاه واطاعه
حينها يصبح حرا بعبوديته لمولاه وخالقه
فينطلق بصدق وأخلاص في سبيل الله لا سبيل اليهود والكفار فالصيام الحقيقي مدرسة إلهية يتخرج منها الأحرار.