كيف سقط معسكر الجابري بيد «أنصار الله»؟
يمني برس : العربي
للمرة الثالثة يرتفع العلم اليمني وشعار «أنصار الله» في الجابري بجيزان، على بُعد 30 كلم من حدود محافظة صعدة. الدخان يتصاعد من المدرعات السعودية، والكتل الخرسانية تتطاير في الهواء من أبراج الرقابة التي فجّرها مقاتلو الحركة، واحداً تلو الآخر، في مرتفعات القائم والمروة وخقّاقة والمعنق والظهيرة وحامضة، التي تحيط بمعسكر الجابري.
27 مقاتلاً من «أنصار الله» وحلفائهم سيطروا على معسكر الجابري، وخاضوا معركة غير متكافئة مع الجيش السعودي المسنود بطائرات «F16» و«أباتشي» و«توريندو»، منذ مساء الخميس إلى صباح الجمعة، 28 يوليو 2017، ليعتلوا مدرعات الـ«أبرامز» والـ«برادلي»، بعد أن تركوا منفذاً لانسحاب القوات السعودية التي قتل منها 20 ضابطاً وجندياً حصل «العربي» على أسمائهم.
بالبنادق والزوامل
جرحى من «أنصار الله»، أصيبوا في معركة الجابري، يروون، لـ«العربي»، تفاصيل إسقاط المعسكر. أبو شليل كعيبة، والذي كُسرت ساقه في جبل المروة المطل على الجابري يقول: «أُبلغت مع 26 من زملائي المجاهدين بتكليفنا بمهاجمة الجابري. وكان ذلك قبل أسبوع من بدء المعركة، حيث كنا يومها في قرية قمر، غرب مدينة الخوبة، والتي تبعد عن حامضة، أول قرى الجابري، مسافة 20 كلم».
وأضاف: «وضعنا الخطة، وكل 4 – 5 منا توزعوا في مجموعات. بدأنا بالتحرك والطائرات الزنانة والأواكس لا تكف عن التحليق في سماء المنطقة على مدار الساعة. كل مجموعة معها إلى جانب البنادق الشخصية، مدفع B10 ومضاد للدروع من نوع كورنيت حراري، وكمية من الألغام، نتناوب على حملها في الشعاب والمرتفعات».
وتابع: «بعد 4 أيام بلياليها من الزحف والمشي على الأقدام، اقتربنا من أبراج الرقابة ونوب الحراسة. أجسادنا مغطاة بأغصان الشجر وملتقصة بالصخور، لنبدأ الزحف الذي عادة ما يكون في الليل، ومع كل صوت يصدر من تحركاتنا أو من عبث القرود والرياح بالأشجار يطل الجنود السعوديون من نوب الحراسة بالنواظير الليلية يجولون بها في المحيط المظلم، ويعودون إلى الداخ،ل ونحن بين الفينة والأخرى نزرع الألغام حول الأبراج والنوب كلما علت أصوات الضباط والجنود، أو ارتفع أزيز الطائرات فوق رؤوسنا».
وزاد أن «التوجيهات صدرت ليل الخميس لصباح الجمعة ببدء المعركة بتفجير أبراج الرقابة وقصف المدرعات وسط المعسكر. بعدها علا الصراخ من الداخل وأُطلقت النيران بعشوائية في كل مكان، ونحن نرصد صدام المدرعات ونستهدف بالمضادات الحرارية الواحدة تلو الأخرى، عدا الأطقم والمدرعات الهاربة من المدخل الشمالي. ومع اقتراب الفجر، بدأ قصف الطيران بعشوائية حتى الصباح، ليستشهد منا 9 من المجاهدين، كما أصبت أنا و5 من زملائي في مدرسة محو الأمية وسط المعسكر، والتي حولتها القوات السعودية إلى مخزن للذخيرة».
وقال «استولينا على المعسكر، ورفعنا العلم اليمني والشعار في الجابري، وهتفنا بالصرخة. ومع مشاهدة المدرعات تحترق والأدخنة تتصاعد، ذرفنا دموع النصر وتملكنا شعور بقوة وعظمة لا توصف، ورددنا زامل الشهيد لطف القحوم:
قل للعداء قائد اﻷركان جيشك تراجع على أعقابه
يوم اقتحمنا جبل دخان والجابري صاحت أبوابه
وين انت يوم احترق جيزان وشعارنا صار في الخوبة».
30 كلم خلف الحدود
ليست هذه المرة الأولى التي تسيطر فيها «أنصار الله» على الجابري بجباله وقراه ومعسكره. ففي العام 2009، حين شاركت القوات السعودية إلى جانب قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الحرب السادسة، استولى مقاتلو «أنصار الله» على مرتفعات الجابري والدخان والدود والخوبة في جيزان، ومعها 25 قرية سعودية، و10 دبابات، في غضون أقل من أسبوع، لتضطر السعودية للتفاوض مع قادة الحركة، والاتفاق معهم على مناطق آمنة وخالية من السلاح في الشريط الحدودي. ودفعت الرياض حينها أموالاً لاسترجاع الدبابات.
وفي العام 2015، استولى مقاتلو «أنصار الله» للمرة الثانية على الجابري، ومناطق تفوق ما استولوا عليه في المرة الأولى، لينسحبوا بعدها بشكل غير معلن بموجب اتفاق ظهران الجنوب. واليوم، يكشف القيادي الميداني في «أنصار الله»، يحيى الغيلي، لـ«العربي»، أن «الجيش واللجان الشعبية تقدموا 30 كلم من حدود صعدة إلى داخل جيزان، وسيطروا على 450 قرية في محافظتي الحرث وأحد المسارحة، بعد أن أخلتها القوات السعودية من السكان وخسرتها بعد ذلك في قتالها معنا».
ويضيف الغيلي أنه «منذ بداية العدوان على اليمن في مطلع العام 2015، استحدثت القوات السعودية مئات المواقع وأبراج الرقابة والعديد من المعسكرات في جيزان، الكثير منها تمت السيطرة عليها، وإن انسحب الجيش واللجان من بعضها، فإن الآليات العسكرية المدمرة، ونقش الرصاص على الصخور، والكتل الخرسانية في الجبال والشعاب، تحكي حجم الخسائر التي تكبدها النظام السعودي ولا يزال».
الحوثي في الميدان
من قمم جبال مران تتراى الأنوار ليلاً في جيزان، ومنها ومن حيدان والظاهر وشدا ورازح يجتاز مقاتلو «أنصار الله» وحلفائهم الحدود إلى الداخل السعودي. هذه المناطق في صعدة هي الأكثر عرضة لقصف طيران «التحالف»، الذي أحال الكثير من منازلها إلى خرائب، وحول مدرجاتها الزراعية إلى حقول للقنابل العنقودية، لكنها لا تزال معقل قيادة «أنصار الله». مصادر موثوقة كشفت، لـ«العربي»، أن زعيم الحركة، عبد الملك الحوثي، «هو من يشرف على المعارك في جيزان، وخلال الأسبوع الماضي زار مقاتليه في جبل الدود والدخان».
تلعب التضاريس الجبلية والغطاء النباتي الكثيف والأجواء الغائمة معظم شهور العام دوراً في نجاح هجمات مقاتلي «أنصار الله» في جيزان، حيث يصعب رصدهم من أبراج الرقابة السعودية. أبو الزهراء المؤيد، أحد المشاركين في السيطرة على الجابري الأسبوع الماضي، يبين، في حديث إلى «العربي»، أنه «من أجل نجاح العمليات التي نقوم بها، نرصد أهدافنا من بين الأشجار لساعات، ونكتسي بلون الطبيعة هناك، ونصوم عن الأكل لأكثر من 24 ساعة في بعض الأحيان. وعند اقتحام المواقع السعودية نجد السترات الواقية مرمية على الأرض، ولا نرتديها، ولا نتناول الوجبات والعصائر التي تكتظ بها الثلاجات في المواقع التي تسقط في أيدينا، ونقطع المسافات بالأميال حفاة الأقدام حتى لا نترك أثراً خلفنا».
ويضيف المؤيد أن «الطيران يفشل في رصد تحركاتنا، ولو كنت في جيزان فلن تفرق بين الطيور والطائرات المسيرة التي صنعت بأشكال النسور والغربان والصقور، ومع ذلك تستعين القوات السعودية بقصاصي الأثر من كبار السن يقتفون آثار أقدامنا، ونشاهدهم على مقربة منا ونلزم السكون ولا نمسهم بأذى».
إجلاء السكان
تُعدّ منطقة الجابري، بما تحتويه من مواقع عسكرية، من أهم المناطق الإستراتيجية في جيزان، والسيطرة عليها أزاحت عائقاً كبيراً أمام تقدم مقاتلي «أنصار الله» وحلفائهم، وأفقدت الجيش السعودي نقاطاً ومحاور مهمة في العمليات الميدانية، وفتحت الطريق للسيطرة على مزيد من المساحة الجغرافية شمال الخوبة وشرقها.
وفي جيزان، لا تخشى «أنصار الله» السكان؛ فقد وقعت مع الكثير من زعماء العشائر، بعد العام 2010، اتفاقات تنص على الحفاظ على حُسن الجوار، لذا تلجأ السلطات السعودية إلى تهجيرهم وإجلائهم من المناطق التي تجاوزتها «أنصار الله» من دون مواجهات. الشيخ القبلي في محافظة صعدة، علي مسفر، يقول، لـ«العربي»، إن «الكثير من السكان في جيزان يعانون من التهميش من قبل السلطات السعودية، وتربطنا معهم علاقات جوار وتزاوج، وبسبب ذلك هم موضع شك وريبة لدى النظام السعودي الذي يخرجهم من منازلهم وأراضيهم الزراعية بالقوة، ومؤخراً قام بسجن العشرات منهم لمعارضتهم علناً ممارسات الإخلاء ومماطلة السلطات السعودية في دفع التعويضات».
جانب من الخسائر
يتكتم الإعلام السعودي على المعارك في جيزان ونجران وعسير، لكن تغطياته لمراسيم التشييع ومجالس العزاء اليومية لقتلى الحد الجنوبي للمملكة، تكشف جانباً من نزيف الجيش هناك. وفي معركة الجابري، ومن واقع صور البطاقات العسكرية للقتلى من الجيش السعودي، فإن 20 ضابطاً وجندياً قتلوا في المعركة. وقد حصل «العربي» على أسمائهم، وهم:
– النقيب أحمد جبران الغزواني
– الملازم محمد العنزي
– العريف عادل رجب الزهراني
– الجندي محمد الحاتمي
– الجندي عبيد فلاح الحربي
– الجندي عبد الله حمدي
– الجندي عبد الله النجيمي
– الجندي عاطي الجدعاني
– الجندي حمود موسى الناشري
– الجندي حسن محمد الصميلي
– الجندي أحمد الرشيدي
– الجندي عثمان العسيري
– الجندي عبد الرحمن مسلمي
– الجندي عايد الحربي
– الجندي ناهس عبد الله الحربي
– الجندي مسفر الأكلبي
– الجندي محمد سعود الخولي
– الجندي ماجد عوض الوذياني
– الجندي عبد المجيد العطوي
– الجندي عبد العزيز العطوي