بؤس وشقاء الجنوب يتواصل
يمني برس | كتب | سامي عطا
من لا يدرك أن قضية بؤس الجنوبيين وشقاءهم بعد 1994 تأزرت في صناعته أطراف عديدة محلية وإقليمية وحتى دولية ، وإن كانت المسؤولية الأكبر تقع على عاتق نخبة الحكم في الجنوب بسبب أخطاء البدايات، أخطاء يجري تبريرها بشكوى ونحيب هذه النخب بأنهم طيبون وسذج وحسنو النية سلموا دولة ومقدراتها، ولكنهم خدعوا أو جرى استغفالهم، وهذا التبرير من منظور السياسة تبرير خارج نطاقها ، ويُبنى عليه متوالية من الاستغفالات والاستغلالات اللاحقة…
أن بؤس الجنوبيين وشقاءهم سيستمر طالما ظلت نفس الأطراف تجدد من أساليبها ، وتعتمد على إثارة غرائزهم في الحكم والتفسير وفي بناء مواقفها وتحالفاتها وفي طرح برامجها وتوجهاتها.
إن نفس الأطراف خصوصاً الداخلية والإقليمية سبب شقاء الجنوبيين وبؤسهم منذ انكسارهم في حرب 1994، إذ أخذوا يتبادلون المنافع باعتبارها نخب حكم فاسدة داخلية وإقليمية، لكن الاختلاف بينها ، أن فاسدي هذا البلد عصابة 7/7 فاسدون بلا وطنية، وظفوا كل إمكانيات البلد من ثروات إلى الإمكانيات الجيوسياسية والجيواقتصادية في سبيل حصولهم عليها وتكوين مصالح مع نخب الحكم الفاسدة لدول الإقليم ، وضعوا عدن وميناءها الاستراتيجي مثلاً؛ تحت الإقامة الجبرية، وذلك لقاء منافع ومصالح فتحتها لهم في دبي، وظلت عدن ورقة مساومة وضغط يجري استثمارها والتلويح بها من أجل تمتين علاقة هذه النخبة المحلية الفاسدة بنخبة الحكم في الإقليم للمحافظة على بقائها في الحكم وديمومتها، ومع الوقت ومع ترابط المصالح وتداخلها تمتنت هذه العلاقة أكثر فأكثر ، وما يؤكد ذلك شن هذه الحرب العدوانية ، فلقد تداعت نخب الحكم في الإقليم إلى قرار الحرب دفاعاً على نخبة فساد الحكم في هذا البلد عندما استشعرت خطر التغيير القادم من خارج نظام حكم العصابة، وبعد أن فشلت كل محاولات ترميم هذا النظام الذي أخذ يتفكك ويتحلل منذ عقد ونيف وبلغ ذروته في فبراير 2011م ، فلم تنجح لا المبادرة الخليجية ولا حوار الموفنبيك في إعادة إنعاش هذا النظام وإعادة تدويره، وجاءت هذه الحرب العدوانية في نفس السياق.
ولولا ملابسات اكتنفت هذه الحرب وأهمها تحالفات القوى فيها المتداخل وانقسام نظام 7/7 بين من استجلب العدوان وأيده، وأخر وجد نفسه في الضفة الأخرى مُجبراً ، كما انقسمت القوى المعارضة الحقيقية في الضفتين ، لولا هذا الأمر بالإضافة إلى عوامل ، لما طالت هذه الحرب واستطالت ، لا بل يمكن القول لما قامت هذه الحرب من الأساس.
إن غياب اصطفاف واضحة أهدافه وبرنامجه شكل هذا الخليط والخبط العشواء، اتسم بعدم وضوح التحالفات ولا معقوليتها، الأمر الذي شوش على سلامة التغيير ونجاعته، حيث ظهرت أحياناً بأنها تحالفات لا معقولة، فلقد جمعت اصطفافات هذه الحرب العدوانية ضحايا مع جلاديهم، مقدمة مشهدا غرائبيا أو مشاهد كوميدية تداخلت فيه الألوان الأسود بالأحمر.
وإذا كان تحالف صنعاء بدأ في إبراز هويته وتوحيد إرادته ووضوح معالمه مع الوقت ، فإنه في الجهة المقابلة صورة التحالفات تفتقر للمنطق والمعقولية ولا زال ينبئ بمتوالية من الانقسامات والتشرذمات ، كما ينبئ باستمرار النخب الفاسدة في نظام الحكم في إنتاج نفسها وإعادة تسويقها ، وذلك بسبب غياب حامل سياسي يعبر عن مصالح الضحايا.
إن المشهد في الجنوب وما أفرزه صراع الأيام الماضية وتصريحات المكونات ، يؤكد أن السياسات المرسومة تضعها قوى الهيمنة والاحتلال وتلبي مصالحها.
وهذا التحالف أو الدعم الذي أكده رئيس المجلس الانتقالي في القناة الفرنسية ، هو تحالف أو دعم إملاء الراعي الإقليمي «الاحتلال الإماراتي» تحديداً باعتبار أن طارق محمد عبدالله يمثل جناح نظام 7/7 الذي ارتبط بمصالح ومنافع أقوى مع الإمارات على حساب اليمن واليمنيين وعلى حساب الجنوب والجنوبيين على وجه الخصوص.
وإذا كان المجلس الانتقالي يعتقد إنه بهكذا طريقة يؤسس لنفسه قوى ناعمة أو خشنة كالجبهة الوطنية قبل الوحدة، فإنه يخطئ التقدير ، وعلى الرغم من يقيني أنه إملاء إماراتي تريد من ورائه إعادة بناء شرعية حكم نواتها أسرة علي صالح باعتبارها الجهة الأكثر ثقةً لديها كي تواصل نفس السياسات في التعامل مع الجنوب وميناء عدن تحديداً، لأنها لا تثق بالإصلاح الذي صار قبلته تركيا ومصالح قواه الفاعلة تتجه صوب اسطنبول، كما لا تثق بأنصار الله لأنهم لا يرتبطون بمصالح اقتصادية مع أيِ من اقتصادات دول الإقليم ويتوجسون منهم، ربما باعتبارهم يشكلون حالة غموض اقتصادي، ولا يهمهم توجهاتهم السياسية ، فها هي إيران الدولة ترتبط بمصالح اقتصادية مع الإمارات رغم اختلاف التوجهات السياسية، ومع ذلك يتم التعامل معها.
وعليه أكثر ما يخيف الإمارات وصول نخبة حكم تستدعيها تحريك كل إمكانياتها الجيوسياسية والاقتصادية، وتذهب إلى التفكير بالاعتماد على مقوماته وتوظيفها في تقوية مركز الدولة فيه، وهذا الصداع نشهده في سياساتها وتعاملها مع ملف الجنوب بعد أن أحيل إليها، ولمن يلاحظ أنها عند تأسيسها سلطة القوة بعد اغتيال محافظ عدن الأسبق جعفر محمد سعد ، كوّنتها من لفيف من القوى المختلفة والمتناقضة جمعتها المعركة وستفرقها إدارة المصالح لاحقاً ، إذ تكونت من جماعة الطغمة وفصيل الجماعات السلفية الحزام الأمني، ليسهل ضرب هذا بذاك عند اللزوم، مثلما عملت السعودية مع تأسيس نظام حكم صنعاء المنقسم بين الستين والسبعين وتوظيف تناقضاته، كي لا تقوم دولة ويبقى البلد ضعيفاً وممزقاً دائماً.
إن التحالف يؤسس كيانا هشا منقسما على بعضه ليسهل قياده ، ويؤسس لحروب قادمة سواءً بين الشطرين إذا ذهب للانفصال وداخل كل شطر ليضمن بقاء يمن ضعيف يهدر مقدراته وثرواته على الحروب البينية وإشغاله عن التنمية، أي سياسة إضعاف من أجل تحصيل القوة ، على قاعدة « قوتي تكمن في إضعاف عدوي»..!!