الأطماع السعودية والإماراتية في اليمن تُخرج عُمان عن حيادها
يمني برس – تقارير / البديل المصرية
في خضم الأزمات الإقليمية المتلاحقة في الأعوام الثلاث الماضية، كان التصور العام عن سلطنة عُمان أنها واحة الهدوء في صحراء الخلافات الخليجية- الخليجية وكذلك الصراعات الإقليمية، حتى صار الأمر مادة للتندر بهدوء السلطنة وسياساتها الخارجية الحيادية تجاه هذه الأزمات المتلاحقة، سواء المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي، أو الأزمات الإقليمية الأوسع والمستدامة، والتي تتماس مع القوى الإقليمية المتطاحنة، أو حتى القوى الدولية الفاعلية في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تنظر إلى مسقط باعتبارها حليف غير مزعج وغير طامح إلى دور أكبر من المحافظة على مصالحه وأمنه، في وسط مضطرب تتزايد فيه حدة الاستقطاب لمواقف حدية لا يتناسب معها سياسات السلطنة “المحايدة”.
وطبقا لهذه السردية، كانت مسقط خلال العقْد المنصرم، ترسم سياساتها الخارجية بقدر من الاستقلالية، مكنها في بعض الأحيان من الاضطلاع بدور مميز على صعيد السياسة الدولية والإقليمية، بشكل حتى أبعد عن ما يخص جيرانها من الدول الخليجية وإيران، مثل وساطتها لحل أزمة داخلية ذات خلفية طائفية في الجزائر 2014-2015. والأهم وساطتها واستضافتها لجولات من المحادثات السرية والعلنية بين إيران ودول 5+1 منذ 2009، المعنية بالبرنامج النووي الإيراني، والتي أفضت إلى محادثات فيينا 2014 ثم الاتفاق النووي، دون طموح لحصد أي مكاسب من جانب السلطنة بخلاف ثقة أطراف المفاوضات، وذلك بعد دورها الهام في هذا الملف، واكتفائها بدور “منسق الكواليس”، حتى مع رغبة ورضا دول5+1 في أن تشارك مسقط في المفاوضات بدور مراقب. وهو الأمر الذي لم يكن يبعث على الارتياح من جانب جيران السلطنة، وخاصة السعودية والإمارات من زاويتين: الأولى موقف كل من الجارتين من التسوية السلمية للملف النووي وما نتج عنها من إضعاف لموقفهم أمام طهران، وكذلك موقف عُمان الموضوعي تجاه إيران وعلاقاتها الجيدة بها ككل، والثانية من تخوف مستدام من توسع نفوذ عُمان ضمن منظومة التعاون الخليجي، أو كفاعل إقليمي ودولي يحظى بثقة القوى الدولية والإقليمية، في وقت كانت السعودية فيه نموذج للارتجال والعشوائية في سياساتها الخارجية، والتي حتى الآن تشكل عامل إزعاج وقلق من جانب القوى الدولية بما فيهم واشنطن، على مختلف الأصعدة والملفات.
وبخلاف متغيرات وثوابت العلاقات بين مسقط وجيرانها منذ نشأتهم، – الإمارات والبحرين وقطر وجزء كبير مما يعرف بالسعودية اليوم، كان حتى السبعينيات جزءا من الساحل العُماني، وحظيت بحكم مستقل عن الإمبراطورية العُمانية المزدهرة فقط في أواخر النصف الأول القرن الماضي- فإن السلطنة تتعامل في السنوات الأخيرة بمنطق “محايد” تجاه الأزمات المتلاحقة، سواء مفاعيل الصراع مع طهران، أو سعودة القرار الخليجي والعربي وترويض المخالفين له، والذي لم يعد حياد مسقط كاف بالنسبة لكل من الرياض وأبو ظبي في السنوات الثلاث الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق باليمن، التي باتت مسرح لصراع نفوذ وطموح الحلفاء، بشكل جعل الخط الأحمر شبه الوحيد الذي رسمته مسقط في سياساتها “المحايدة” تجاه جيرانها، والخاص بأمن ومصالح السلطنة واستقرار الحكم فيها غير مرئي وغير هام في مسار طموح وهيمنة كل من الرياض وأبو ظبي على مستويات متعددة.
فعلى مستوى الاستقطاب السياسي في المنطقة في السنوات الأخيرة، ومظلته الطائفية التي تخرجه من صراع سياسي إلى صراع طائفي، فإن السلطنة ذات الأغلبية الأباضية ليس لها مصلحة في الانحياز لهذا الشكل وهذا الخطاب السياسي الطائفي من جانب جيرانها، بل وبشكل أعم هي أبعد ما تكون عن الحاجة لتأجيج مثل هكذا صراع يصطبغ باستقطاب طائفي يجعلها في مرمى أخطار مجتمعية بالدرجة الأولى لا تنحسر عند سياسات جيرانها الخارجية التي تستخدم الطائفية في شد عصب تحالفاتهم المتتالية، ولكن يجعلها بحد ذاتها هدفا لخطاب طائفي منفلت لا يكتفي فقط بالتجييش ضد إيران، ولكنه يُلحق السلطنة بها في إطار معادلة “من ليس معنا فهو علينا”، والتي تصوغ من خلالها الرياض سياساتها في الداخل والخارج في السنوات الثلاث الأخيرة حتى مع حلفائها، ناهيك عن أن مسقط من هذا المنطلق تعتبر جزيرة في بحر من الاستقطاب الطائفي في دول مجلس التعاون.
أما على مستوى سلامة أراضي السلطنة، فإن الحدود في دول شبه الجزيرة العربية وترسيمها يُعد من أعقد الموضوعات وأكثرها حساسية منذ القرن الماضي، والذي تم من أجله تأسيس مجلس التعاون الخليجي كآلية بديلة عن النزاعات المباشرة الخاصة بالحدود؛ ليس فقط على الخرائط والأراضي التي في معظمها لم يتم تسويتها بشكل نهائي، ولكن أيضا فيما يخص المجتمعات هناك، والتي فيما بينها تعتبر مسألة الحدود والخرائط غير موجودة بشكل فعلي، نظرا لسيادة القبلية بشكلها الاقتصادي والاجتماعي، بل وحتى السياسي في مناطق الحدود المتشابكة بين دول الخليج، وخاصة التي بين الإمارات وسلطنة عُمان، والتي تجعل الأولى تفكر في تكرار سيناريو تيران وصنافير في شبه جزيرة “مسندم” العُمانية ذات الموقع الاستراتيجي.
وفي نفس السياق، يأتي طموح الإمارات في اليمن، وتحديدا في جنوب اليمن، كعامل قلق لمسقط، ليس فقط لأن التوسع الإماراتي في اليمن يعني عمليا تقسيمها ليمن جنوبي ويمن شمالي، وهو ما تضررت منه السلطنة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولكن أيضا كاحتمالية لتكرار ضغط مماثل للذي تعرضت له مصر فيما يخص مثلث حلايب الذي دعمت الرياض الخرطوم فيه حتى العام الماضي مقابل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وبالتالي قد يكون مسعى الإمارات والسعودية في السيطرة على محافظة “المهرة” اليمنية المحاذية للحدود العُمانية، والتي شكلت في وقت مضى ظهير لثورة ظفار في سبعينيات القرن الماضي التي هددت حكم أسرة البوسعيد العُمانية، وذلك بسبب دعم جمهورية اليمن الجنوبي وقتها لها، وهو الأمر الذي يجعل أي تحرك إقليمي في هذه المحافظة اليمينية مثار قلق لحكام مسقط، وهو ما حدث منذ عدوان التحالف بقيادة السعودية على اليمن 2015، ومسارات جنوب اليمن بين الرياض وأبوظبي، وخاصة المتعلقة بمحافظة “المهرة” ومناطقها الحدودية الاستراتيجية التي بخلاف مجاورتها لسلطنة عُمان، تمثل تاريخيا بوابة اليمن البحرية الشرقية، وخاصة بعد سعي أبوظبي لتوطيد تواجدها في هذه المنطقة، وأيضا جزيرة سوقطرى اليمينية الاستراتيجية، ضمن طموح الإمارات الاستراتيجي في التواجد والنفوذ على الممرات المائية الاستراتيجية من جنوب البحر الأحمر وحتى خليج عُمان، كبديل لعجز الإمارات الحالي عن التمكن من نفوذ استراتيجي في ممرات وجزر ومضايق الخليج العربي، الذي يصطدم فيه طموح أبوظبي بإيران.